الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ }

ولما تقدمت الإشارة بقوله تعالىوأوفوا الكيل والميزان بالقسط } [الأنعام: 152] الآية إلى المساواة الحقيقية في الميزان معجوز عنها وأنه أبعد المقادير عن التساوي، والنص في قوله تعالىومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [الأنعام: 160] على قدرة القدير على ذلك، وختم الآية السالفة بإحاطة العلم على الوجه الأبلغ المقتضي لذلك على أعلى الوجوه، أكد الأمر أيضاً وقصره على علمه هنا فقال: { والوزن } بميزان حقيقي لصحف الأعمال أو للاعمال أنفسها بعد تصويرها بما تستحقه من الصور أو بغير ذلك بعد أن يقذف الله في القلوب العلم به، ولعله حال من نون العظمة في الاية التي قبلها، أي إنا لا نكتفي بما نقص بل نزنه فيصير بحيث يظهر لكل أحد أنه على غاية ما يكون من التساوي؛ قال أبو حيان وعلي بن الحسين النحوي الأصفهاني في إعرابه: " الوزن " مبتدأ { يومئذ } ظرف منصوب به { الحق } خبر المبتدأ، زاد الأصفهاني فقال: واستضعف إعمال المصدر وفيه لام التعريف وقد ذكرنا أنه جاء في التنزيللا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } [النساء: 148] - انتهى. أي والوزن في ذلك اليوم مقصور على الحق، يطابقه الواقع مطابقة حقيقية لا فضل فيها أصلاً ولا يتجاوز الوزن في ذلك اليوم الحق إلى شيء من الباطل بزيادة ذرة ولا نقصها ولا ما دون ذلك، فتحرر أن مقصود السورة الحث على اتباع الكتاب، وهو يتضمن الحث على اتباع الرسول والدلالة على التوحيد والقدرة على البعث ببيان الأفعال الهائلة في ابتداء الخلق وإهلاك الماضين إشارة إلى أن من لم يتبعه ويوحد - من إنزله على هذا الأسلوب الذي لا يستطاع، والمنهاج الذي وقفت دونه العقول والطباع، لما قام من الأدلة على توحيده بعجز من سواه عن أقواله وأفعاله - أوشك أن يعاجله قبل يوم البعث بعقاب مثل عقاب الأمم السالفة والقرون الخالية مع ما ادخر له في ذلك اليوم من سوء المنقلب وإظهار اثر الغضب.

ولما أخبر أن العبرة بالميزان على وجه يظهر أنه لا حيف فيه بوجه، تسبب عنه قوله: { فمن ثقلت } أي دست ورسبت على ما يعهد في الدنيا { موازينه } أي موزونات أعماله، أي أعماله الموزونة، ولعله عبر بها عنها إشارة إلى ان كل عمل يوزن على حدة ليسعى في إصلاحه { فأولئك } أي العالو الهمم { هم } أي خاصة { المفلحون* } أي الظاهرون بجميع مآربهم { ومن خفت } أي طاشت { موازينه } أي التي توزن فيها الأعمال الصالحة { فأولئك } المبعدون { الذين خسروا أنفسهم } أي التي هي رأس مالهم فكيف بما دونها { بما كانوا بآياتنا } أي على ما لها من العظمة { يظلمون* } أي باستمرار ما يجددونه من وضعها في غير المحل الذي يليق بها فعل من هو في ظلام؛ قال الحسن، وحق الميزان توضع فيه الحسنات أن يثقل، وحق لميزان توضع فيه السيئات أن يخف.

السابقالتالي
2 3