الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

ولما حصل الالتفات إلى جوابهم، قيل: { قال الملأ } أي الأشراف، وبينه بقول: { الذين استكبروا } أي أوقعوا الكبر واتصفوا به فصار لهم خلقاً فلم يؤمنوا؛ ونبه على التأسية بقوله: { من قومه } ولما قال: { للذين استضعفوا } كان ربما فهم أنهم آمنوا كلهم، فنفى ذلك بقوله مبدلاً منه: { لمن آمن منهم } أي المستضعفين، فهو أوقع في النفس وأروع للجنان من البيان في أول وهلة مع الإشارة إلى أن أتباع الحق هم الضعفاء، وأنه لم يؤمن إلا بعضهم، ففيه إيماء إلى أن الضعف أجلّ النعم لملازمته لطرح النفس المؤدي إلى الإذعان للحق، وبناؤه للمفعول دليل على أنهم في غاية الضعف بحيث يستضعفهم كل أحد { أتعلمون } أي بدؤوهم بالإنكار صداً لهم عن الإيمان { أن صالحاً } سموه باسمه جفاء وغلطة وإرهاباً للمسؤولين ليجيبوهم بما يرضيهم { مرسل من ربه } وكأنهم قالوه ليعلموا حالهم فيبنوا عليه ما يفعلونه، لأن المستكبيرين لا يتم لهم كبرهم إلا بطاعة المستضعفين.

ولما عملوا ذلك منهم، أعملوهم بالمنابذة اعتماداً على الكبير المتعال الذي يضمحل كل كبر عنده ولا يعد لأحد أمر مع أمره بأن { قالوا } منبهين لهم على غلظتهم وغلطهم في توسمهم في حالهم معبرين بما دل على العلم بذلك والإذعان له { إنا بما أرسل به } وبني للمفعول إشارة إلى تعميم التصديق وإلى أن كونه من عند الله أمر مقطوع به لا يحتاج إلى تعيين { مؤمنون* } أي غريقون في الإيمان به، ولذلك { قال الذين استكبروا } أي في جوابهم معبرين بما يدل على المخالفة لهم والمعاندة { إنا بالذي } ووضعوا موضع " أرسل به " - رداً لما جعلوه معلوماً وأخذوه مسلماً { آمنتم به } أي كائناً ما كان { كافرون* } ثم سبب عن قولهم قوله { فعقروا الناقة } أي التي جعلها الله لهم آية، وعبر بالعقر دون النحر لشموله كل سبب لقتلها لأن ابن إسحاق ذكر أنه اجتمع لها ناس منهم فرماها أحدهم بسهم وضرب آخر قوائمها بالسيف ونحرها آخر فأطلق اسم السبب على المسبب، ولكن قوله تعالى:فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } [القمر: 29] وقولهإذا انبعث أشقاها } [الشمس: 91] وقوله صلى الله عليه وسلم " انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في قومه " قالوا: هو قدار بن سالف، جعلت له امرأة من قومه ابنتها إن عقرها، ففعل فكان أشقى الأولين،وأشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، جعلت له قطام امرأة من بني عجل جميلة نفسها إن قتله، فالمناسبة بينهما أن كلاًّ منهما ألقى نفسه في المعصية العظمى لأجل شهوة فرجه في زواج امرأة، وقوله صلى الله عليه وسلم " أشقى الأولين عاقر الناقة "

السابقالتالي
2 3