ولما كان استشراف النفس إلى السؤال عما يكون بعد حين المستقر والمتاع أشد من استشرافها إلى هذا لكونه أخفى منه، فهو أبعد من خطوره في البال؛ قدم قوله:{ قال فيها تحيون } [الأعراف: 25] ولما كان ذكر الدواء لداء هتك السوءة أهم قدم{ أنزلنا عليكم لباساً } [الأعراف: 26] ثم ما بعده حتى كان الأنسب بهذه الاية هذا الموضع فنظمت فيه. ولما تقدمت الإشارة إلى الحث على اتباع الرسل بآيات المقصد الأول من مقاصد هذه السورة كقوله تعالى{ كتاب أنزل إليك } [الأعراف: 2] و{ لتنذر } [ الأعراف: 2] و{ اتبعوا ما أنزل إليكم } [الأعراف: 3] وقوله{ فلنسئلن الذين أرسل إليهم } [الأعراف: 6] وقوله{ قل أمر ربي بالقسط } [الأعراف: 29]،{ إنما حرم ربي الفواحش } [الأعراف: 33] والتحذير من الشياطين بقوله{ ولا تتبعوا من دونه أولياء } [الأعراف: 3] وبقوله{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [الأعراف: 16]،{ لا يفتننكم الشيطان } [الأعراف: 27] وغيره، فتحرر أنه لا سبيل إلى النجاة إلا بالرسل، وختم ذلك بالأحل حثاً على العمل في أيام المهلة؛ أتبع ذلك قوله حاثاً على التعلق بأسباب النجاة باتباع الدعاة الهداة قبل الفوت بحادث الموت ببيان الجزاء لمن احسن الاتباع في الدارين { يا بني آدم }. ولما كان له سبحانه أن يعذب من خالف داعي العقل من غير إرسال رسول، وكان إرسال الرسل جائزاً له وفضلاً منه سبحانه إذ لا يوجب عليه، أشار إلى ذلك بحرف الشك فقال: { إما } هي إن، الشرطية وصلت بها ما تأكيداً { يأتينكم رسل } ولما كانت زيادة الخبرة بالرسول أقطع للعذر وأقوى في الحجة قال: { منكم } أي من نوعكم من عند ربكم. ولما كان الأغلب على مقصد هذه السورة العلم كما تقدم في{ فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } [الأعراف: 7] ويأتي في{ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم } [الأعراف: 52] وغيرها، كان التعبير بالقص - الذي هو تتبع الأثر كما تقدم في الأنعام - أليق فقال: { يقصون عليكم آياتي } أي يتابعون ذكرها لكم على وجه مقطوع به، ويتبع بعضهم بها أثر بعض لا يتخالفون في أصل واحد من الأصول. ولما كان لقاء الرسل حتماً والهجرة إليهم واجبة لأن العمل لا يقبل إلا بالاستناد إليهم مهما وجد إلى ذلك سبيل، ربط الجزاء بالفاء فقال: { فمن اتقى } أي خاف مقامي وخاف وعيدي بسبب التصدق بالرسل والتلقي عنهم { وأصلح } أي عمل صالحاً باقتفاء آثارهم { فلا خوف } أي غالب { عليهم } أي بسبب ذلك من شيء يتوقعونه { ولا هم } أي بضمائرهم { يحزنون* } أي يتجدد لهم في وقت ما حزن على شيء فاتهم، لأن الله يعطيهم ما يقر به أعينهم، وكأنه غاية في التعبير لأن إجلالهم لله تعالى وهيبتهم له يمكن أن يطلق عليهما خوف. ولما ذكر المصدق، أتبعه المكذب فقال { والذين كذبوا بآياتنا } أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا؛ ولما كان التكذيب قد يكون عن شبهة أو نوع من العذر، نفى ذلك بقوله: { واستكبروا عنها } أي أوجدوا الكبر إيجاد من هو طالب له عظيم الرغبة فيه، متجاوزين عنها إلى أضداد ما دعت إليه.