الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ }

ولما تشوف السامع إلى معرفة بعض ذلك قال: { قالوا } منادين لما شغلهم قربه منهم وملازمته عن كل شيء: { يا ويلنا } أي هذا وقت حضورك أيها الويل إيانا ومنادتك لنا فإنه لا نديم لنا إلا أنت، والويل هو الهلاك والإشراف عليه.

ولما كان أهل الرذالة ينكرون أن يكون من يمنع الفقراء طاغياً، أكدوا قولهم: { إنا كنا } أي جبلة وطبعاً { طاغين * } أي مجاوزين الحدود فيما فعلنا من التقاسم على منع الفقراء وعلى جذها في الصباح من غير استثناء فعل القادر، وكان ذلك إن كان لا بد لنا منه ممكناً بغير قسم ولا إخفاء من الغير ولا مخافتة حال السير بأن يقال للفقراء: يفتح الله، ونحو ذلك من الكلام.

ولما قدموا ما هو أنفع لهم من اللوم المتقضي لإجماعهم على التوبة فعلم بذلك الندم الذي هو أمارة التوبة، استأنفوا جواباً لمن سأل: هل اقتصروا على التلاوم؟ قولهم: { عسى } أي يمكن أن يكون وهو جدير وخليق بأن يكون { ربنا } أي الذي أحسن إلينا بتربية هذه الجنة وبإهلاك ثمرها الآن تأديباً لنا { أن يبدلنا } أي من جنتنا شيئاً { خيراً منها } يقيم لنا أمر معاشنا فتنقلب أحوالنا هذه التي نحن فيها من الهموم والبذاذة بسرور ولذاذة بما أفاده إيقاع الفعل على ضميرهم، وقراءة أبي عمرو ونافع بالتشديد وقراءة الباقين بالتخفيف وهما متقاربتان غير أن التشديد يدل على التدريج، فالتخفيف أبلغ معنى: وإنما تعلق رجاؤنا بسبب توبتنا وعلمنا بأن ربنا قادر على ما يريد، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

ولما دل هذا الدعاء على إقبالهم على الله وحده صرحوا وأكدوا لأن حالهم الأول كان حال من ينكر منه مثل ذلك فقالوا معللين: { إنا } ولما كان المقام للتوبة والرجوع عن الحوبة، عبروا بأداة الانتهاء إشارة إلى بعدهم عن الحضرات الربانية تأدباً منهم فقالوا: { إلى ربنا } أي المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره سبحانه { راغبون * } أي ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام بعد العفو، وقد قيل إن الله تعالى جلت قدرته قبل رجوعهم وأخلف عليهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان بحيث كان القطف الواحد منها يحمله وحده من كبره البغل - رواه البغوي عن ابن مسعود، ولكن لما كان المقام لترهيب من ركن إلى ماله واحتقر الضعفاء من عباد الله ولم يجلهم بجلاله طواه، وذكر ما صور هذا الكلام وأنتجه من مساواة حال قريش وحال هؤلاء في الإحسان وطول الحلم مع احتقار أوليائه والتقوى عليهم بأفضاله ونعمائه، فقال مرهباً: { كذلك } أي مثل هذا الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كانوا عند أنفسهم في غاية القدرة عليه والثقة به مع الاستحسان منهم لفعلهم والاستصواب وهددنا به أهل مكة فلم يبادروا إلى المتاب: { العذاب } الذي تحذرهم منه وتخوفهم به في الدنيا، فإذا تم الأجل الذي قدرناه له أخذناهم به غير مستعجلين ولا مفرطين لأنه لا يعجل إلا ناقص يخاف الفوت.

السابقالتالي
2 3