الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

ولما ذكر ذلك، أتبعه منفعة أخرى تعمهما مع غيرهما مبيناً ما أذن فيه من علم النجوم ومنافعها فقال: { وهو } أي لا غيره { الذي جعل } ولما كانت العناية بنا أعظم، قدم قوله: { لكم النجوم } أي كلها سائرها وثابتها وإن كان علمكم يقصر عنها كلها كما يقصر عن الرسوخ والبلوغ في علم السير للسيارة منه { لتهتدوا } أي لتكلفوا أنفسكم علم الهداية { بها } لتعلموا القبلة وأوقات الصلوات والصيام وغير ذلك من منافعكم دنيا وديناً.

ولما كانت الأرض والماء ليس لهما من نفسهما إلا الظلمة، وانضمت إلى ذلك ظلمة الليل، قال: { في ظلمات البر } أي الذي لا عَلَم فيه، وإن كانت له أعلام فإنها قد تخفى { والبحر } فإنه لا عَلَم به، والإضافة إليهما للملابسة أو تشبيه الملبَّس من الطرق وغيرها بالظلمة؛ روى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في جزء جمعه في النجوم من طريق أحمد بن سهل الأشناني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون في البر والبحر ثم انتهوا، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون ما يحل لكم ويحرم عليكم من النساء ثم انتهوا. وفيه من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته على المسند عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي! أسبغ الوضوء وإن شق عليك، ولا تأكل الصدقة ولا تنز الحمير على الخيل، ولا تجالس أصحاب النجوم " وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تسألوا عن النجوم، ولا تفسروا القرآن برأيكم، ولا تسبوا أصحابي، فإن ذلك الإيمان المحض " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النظر في النجوم - رواه من طرق كثيرة؛ وعن عائشة رضي الله عنها مثله سواء، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا " - رواه من طرق وأسند عن قتادة قوله تعالىوأنهاراً وسبلاً } [النحل: 15] قال: طرقاًوعلامات } [النحل: 16] قال: هي النجوم، قال: إن الله عز وجل إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها شيئاً غير ذلك فقد أخطأ حظه وقال رأيه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به - في كلام طويل حسن، وهذا الأثر الذي عن قتادة أخرجه عنه البخاري في صحيحه، وقال صاحب كنز اليواقيت في استيعاب المواقيت في مقدمة الكتاب: واعلم أن العلم منه محمود، ومنه مذموم لا يذم لعينه، إنما يذم في حق العباد لأسباب ثلاثة: أولها أن يكون مؤدياً إلى ضرر كعلم السحر والطلسمات وهو حق إذ شهد القرآن به وأنه سبب للتفرقة بين الزوجين، وسحر النبي صلى الله عليه وسلم ومرض بسببه، حتى أخبره جبرئيل عليه السلام وأخرج السحر من تحت حجر في قعر بئر - كما ورد في الحديث الصحيح؛ ومعرفة ذلك من حيث إنه معرفة ليس مذموماً، أو من حيث إنه لا يصلح إلا لإضرار بالخلق يكون مذموماً.

السابقالتالي
2 3