الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

ولما كان السياق للمآكل من الحرث والأنعام من حلال وحرام، وفرغ من تقرير أمر الحرث الذي قدم في الجملة الأولى لأنه مادة الحيوان، قال: { ومن } أي وأنشأ من { الأنعام حمولة } أي ما يحمل الأثقال { وفرشاً } أي وما يفرش للذبح أو للتوليد، ويعمل من وبره وشعره فرش؛ ولما استوفى القسمين أمر بالأكل من ذلك كله على وجه يشمل غيره مخالفة للكفار فقال: { كلوا مما رزقكم الله } أي لأنه الملك الأعظم الذي لا يسوغ رد عطيته { ولا تتبعوا } ولعله شدد إشارة إلى العفو عن صغيرة إذا ذكّر الإنسان فيها رجع ولم يعتد في هواه { خطوات الشيطان } أي طريقه في التحليل والتحريم كما قال في البقرةكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان } [البقرة: 168] وعبر بذلك لأنه - مع كونه من مادة الخطيئة دال على أن شرائعه شريعة الأندراس، لولا مزيد الاعتناء من الفسقة بالتتبع في كل خطوة حال تأثيرها لبادر إليها المحو لبطلانها في نفسها، فلا أمر من الله يحييها ولا كتاب يبقيها، وإنما أسقط هنا { حلالاً طيباً } لبيانه سابقاً في قولهفكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [الأنعام: 118]،ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } [الأنعام: 121]، ولاحقاً في قولهقل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } [الأنعام: 125]؛ ثم علل نهيه عن اتباعه فقال: { إنه لكم عدو } أي فهو لذلك لا يأمركم بخير { مبين * } أي ظاهر العداوة لأن أمره مع أبيكم شهير.

ولما رد دين المشركين وأثبت دينه، وكانوا قد فصلوا الحرمة بالنسبة إلى ذكور الآدمي وإناثه، ألزمهم تفصيلها بالنسبة إلى ذكور الأنعام وإناثه، ففصل أمرها في أسلوب أبان فيها أن فعلهم رث القوى هلهل النسيج بعيد من قانون الحكمة، فهو موضع للاستهزاء وأهل للتهكم، فقال بياناً لـ { حمولة وفرشاً } { ثمانية أزواج } أي أصناف، لا يكمل صنف منها إلا بالآخر، أنشأها بزواج كل من الذكر والأنثى الآخر، ولحق بتسميتهم الفرد بالزوج - بشرط أن يكون آخر من جنسه - تسميتهم الزجاجة كأساً بشرط أن يكون فيها خمر.

ولما كان الزوج يطلق على الاثنين وعلى ما معه آخر من نوعه، قال مبيناً أن هذا هو المراد لا الاثنان مفصلاً لهذه الثمانية: { من الضأن } جمع ضائن وضائنة كصاحب وصحب { اثنين } أي ذكراً وأنثى كبشاً ونعجة { ومن المعز } جمع ماعز وماعزة كخادم وخدم في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وتاجر وتجر في قراءة غيرهم { اثنين } أي زوجين ذكراً وأنثى تيساً وعنزاً.

ولما كان كأنه قيل: ما المراد بهذا التفصيل قبل سؤالهم عن دينهم، قال: { قل } أي لهم مستفهماً؛ ولما كان هذا الاستفهام بمعنى التوبيخ والتهكم والإنكار، أتى فيه بـ " ام " التي هي مع الهمزة قبلها بمعنى " أيّ " ليتفهم بها عما يعلم ثبوت بعضه وإنما يطلب تعيينه، فقال معترضاً بين المعدودات تأكيداً للتوبيخ، لأن الاعتراضات لا تساق إلاّ للتأكيد: { ءآلذكرين }.

السابقالتالي
2 3