الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

ولما ختم بالتنزيه عما قالوا من الشريك والولد، استدل على ذلك التنزيه بأن الكل خلقه، محيط بهم علمه، ولن يكون المصنوع كالصانع، فقال: { بديع السماوات والأرض } أي مبدعهما، وله صفة الإبداع، أي القدرة على الاختراع ثابتة، ومن كان كذلك فهو غني عن التوليد، فلذا حسن التعجب في قوله: { أنَّى } أي كيف ومن أيّ وجه { يكون له ولد } وزاد في التعجيب بقوله: { ولم } أي الحال أنه لم { يكن له صاحبة و } الحال أنه { خلق كل شيء } أي مقدور ممكن من كل صاحبة تفرض، وكل ولد يتوهم، وكل شريك يدعي فكيف يكون المبدع محتاجاً إلى شيء من ذلك على وجه التوليد أو غيره.

ولما كانت القدرة لا تتم إلا بشمول العلم قال: { وهو } ولم يضمر تنبيهاً على أن عموم العلم لا تخصيص فيه كالخلق فقال: { بكل شيء عليم* } أي فهو على كل شيء قدير، لأن شمول العلم يلزمه تمام القدرة - كما يأتي برهانه إن شاء الله في طه، ومن كان له ولد لم يكن محيط العلم ولا القدرة، بل يكون محتاجاً إلى التوليد.

ولما ثبت أنه لا كفوء له بما ذكر من صفاته وأفعاله، وبين فساد أقوال المشركين، وفصل مذاهبهم على أحسن الوجوه، وبين فساد كل واحد منها بأمتن الحجج، فثبت بذلك ما افتتح السورة به من إحاطته بصفات الكمال، قال مشيراً إلى ذلك كله بمبتدأ خبر بعده أخبار: { ذلكم } أي العالي الأوصاف جداً الذي لا حاجة له إلى شيء، وكل شيء محتاج إليه { الله } أي الذي له كل كمال { ربكم } أي الموجد لكم والمحسن بجميع أنواع الإحسان، فهي فذلكة ما قبلها وثمرته، لأن من اتصف بذلك كان هو رب الكل وحده والخالق للجميع واستحق العبادة وحده فلذا أتبع ذلك قوله: { لا إله إلا هو } لأن المقام للتوحيد اللازم للإحاطة بأوصاف الكمال التي هي معنى الحمد المفتتح به السورة، وساق قوله: { خالق كل شيء } الذي هو مطلع ما بعده مساق التعليل دليلاً على ذلك، فلما أقام الدليل سبب عنه الأمر بالعبادة فقال: { فاعبدوه } أي وحده، لأن من أشرك به لم يعبده، لأنه الغنى المطلق، ومن كان له الغنى المطلق لا يحسن أن يقبل مشركاً، وختم الآية بقوله: { وهو } ولما كان المقام لنفي احتياجه إلى شيء، قدم قوله: { على كل شيء وكيل* } إشارة إلى أن الولد أو الشريك إنما يحتاجه العاجز المفتقر، وأما هو فهو القادر، ومن سواه عاجز، وهو الغني ومن سواه فقير، فكيف يحتاج القدير الغني إلى العاجز الفقير، هذا ما لا يكون، ولا ينبغي أن يتخيله الظنون، وفيه إشارة إلى أن العابد ينبغي أن يتفرغ لعبادته ويقطع أموره عن غير وكالته، فإنه يكفيه بفضله عمن سواه.

السابقالتالي
2 3