الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

ولما فضل السابقين بالإنفاق، ووعد بالحسنى اللاحقين بحسن الاتباع، وأشار إلى أنه ربما ألحقهم ببعضهم بصفاء الإخلاص فتوفرت الدواعي على البذل، أثمر ذلك قوله مسيماً الصدقة التي صورتها صورة إخراج من غير عوض باسم القرض الذي هو إخراج بعوض ترغيباً فيها لما أعد عليها من الجزاء المحقق فكيف إذا كان مضاعفاً: { من } وأكد بالإشارة بقوله: { ذا } لأجل ما للنفوس من الشح { الذي يقرض الله } أي يعطي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام بإعطاء المستحق لأجله عطاء من ماله هو على صورة القرض لرجائه الثواب { قرضاً حسناً } أي طيباً خالصاً فيه متحرياً به أفضل الوجوه طيبة به النفس من غير من ولا كدر بتسويف ونحوه.

ولما كان ما يعطي الله المنفق من الجزاء مسبباً عن إنفاقه، ربطه بالفاء فقال عطفاً على { يقرض }: { فيضاعفه له } مرغباً فيه بجعله مبالغاً بالتضعيف أولاً وجعله من باب المفاعلة ثانياً، وكذا التفضيل في قراءة ابن كثير وابن عامر ويعقوب { فيضعفه } وقرأه ابن عامر ويعقوب بالنصب جواباً للاستفهام تأكيداً للربط والتسبيب. ولما كانت المضاعفة منه سبحانه لا يعلم كنهها إلى هو قال: { وله } أي المقرض من بعد ما تعقلونه من المضاعفة زيادة على ذلك { أجر } لا يعلم قدره إلى الله، وهو معنى وصفه بقوله: { كريم * } أي حسن طيب زاك نام.

ولما بين ما لهذا المقرض، بين بعض وصفه بالكرم ببيان وقته فقال: { يوم } أي لهم ذلك في الوقت الذي { ترى } فيه بالعين، وأشار إلى أن المحبوب من المال لا يخرج عنه ولا سيما مع الإقتار إلا من وقر الدين في قلبه بتعبيره بالوصف فقال: { المؤمنين والمؤمنات } أي الذي صار الإيمان لهم صفة راسخة { يسعى } شعاراً لهم وأمارة على سعادتهم { نورهم } الذي يوجب إبصارهم لجميع ما ينفعهم فيأخذوه وما يضرهم فيتركوه، وذلك بقدر أعمالهم الصالحة التي كانوا يعملونها بنور العلم الذي هو ثمرة الإيمان كما أنهم قدموا المال الذي إنما يقتنيه الإنسان لمثل ذلك جزاء وفاقاً.

ولما كان من يراد تعظيمه يعطى ما يجب وما بعده شريفاً (؟) في الأماكن التي يحبها قال: { بين أيديهم } أي حيث ما توجهوا، ولذلك حذف الجار { وبأيمانهم } أي وتلتصق بتلك الجهة لأن هاتين الجهتين أشرف جهاتهم، وهم إما من السابقين، وإما من أهل اليمين، ويعطون صحائفهم من هاتين الجهتين، والشقي بخلاف ذلك لا نور له ويعطى صحيفته بشماله ومن وراء ظهره، فالأول نور الإيمان والمعرفة والأعمال المقولة، والثاني نور الإنفاق لأنه بالإيمان - نبه - عليه الرازي.

ولما ذكر نفوذهم فيما يحبون من الجهات وتيسيره لهم، أتبعه ما يقال لهم من المحبوب في سلوكهم لذلك المحبوب فقال: { بشراكم اليوم } أي بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم من الزمان.

السابقالتالي
2