الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } * { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } * { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ }

ولما كان التقدير: فلقد علمتم النشأة الثانية النطفية، عطف عليه قوله مؤكداً تنبيهاً على أنهم لما كانوا يعملون بخلاف ما يعلمون كانوا كأنهم منكرون لهذا العلم: { ولقد علمتم } أي أيها العرب { النشأة الأولى } الترابية لأبيه آدم عليه الصلاة والسلام: أو اللحمية لأمكم حواء عليها السلام حيث لم يكن هناك طبيعة تقتضي ذلك، وإلا لوجد مثل ذلك بعد ذلك، والنطفية لكم، وكل منها تحويل من شيء إلى غيره، فالذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا تراباً إلى ما كنتم عليه أولاً من الصورة؟ ولهذا سبب عما تقدم قوله: { فلولا } أي فهلا ولم لا { تذكرون * } أي تذكراً عظيماً تكرهون أنفسكم وإن كان فيه خفاء ما - مما أشار إليه الإدغام من أن الملوم عليه غيب، وكذا بعض ما قيس به أن من قدر على هذه الوجوه من الإبداءات قدر على الإعادة، بل هي أهون في مجاري عاداتكم.

ولما كان علمهم بأمر النبات الذي هو الآية العظمى لإعادة الأموات أعظم من علمهم بجميع ما مضى، وكان أمره في الحرث وإلقاء البذر فيه أشبه شيء بالجماع وإلقاء النطفة، ولذلك سميت المرأة حرثاً، وصل بما مضى مسبباً عنه قوله منكراً عليهم: { أفرأيتم } أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهناكم عليه وفيما تقدم فتسبب عن تنبهكم لذلك أنكم رأيتم { ما تحرثون * } أي تجددون حرثه على سبيل الاستمرار بتهيئة أرضه للبذر وإلقاء البذر فيه.

ولما كانوا لا يدعون القدرة على الإنبات بوجه، وكان القادر عليه قادراً على كل شيء، وهم يعتقدون في أمر البعث ما يؤدي إلى الطعن في قدرته، كرر الإنكار عليهم فقال: { ءأنتم تزرعونه } أي تنبتونه بعد طرحكم البذر فيه وتحفظونه إلى أن يصير مالاً { أم نحن } خاصة، وأكد لما مضى بذكر الخبر المعلوم من السياق فقال: { الزارعون * } أي المنبتون له والحافظون، فالآية من الاحتباك بمثل ما مضى في أختها قريباً سواء.

ولما كان الجواب قطعاً: أنت الفاعل لذلك وحدك؟ قال موضحاً لأنه ما زرعه غيره بأن الفاعل الكامل من يدفع عما صنعه ما يفسده، ومن إذا أراد إفساده لم يقدر أحد على منعه { لو نشاء } أي لو عاملناكم بصفة العظمة، وأكد لأن فعلهم فعل الآمن من ذلك مع أنهم في غاية الاستبعاد لأن يهلك زرعهم كما زرعوه أو لأن المطعوم أهم من المشروب وأعظم، فإنه الأصل في إقامة البدن والمشروب تبع له فقال: { لجعلناه } أي بتلك العظمة { حطاماً } أي مكسراً مفتتاً لا حب فيه قبل النبات حتى لا يقبل الخروج أو بعده ببرد مفرط أو حر مهلك أو غير ذلك فلا ينتفع به { فظلتم } أي فأمتم بسبب ذلك نهاراً في وقت الأشغال العظيمة وفي كل وقت وتركتم كل ما يهمكم { تفكهون * } قال في القاموس: فكههم بملح الكلام: أطرفهم بها وفكه - كفرح فكهاً فهو فكه وفاكه: طيب النفس أو يحدث صحبه فيضحكم ومنه تعجب كتفكه، والتفاكه: التمازح، وتفكه: تندم: والأفكوكة: الأعجوبة، وقال ابن برجان: الفكه هو المتردد في القول الذاهب فيه كل مذهب - انتهى.

السابقالتالي
2 3