الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } * { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } * { عُرُباً أَتْرَاباً } * { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } * { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ }

ولما كانت النساء يسمين فرشاً، قال تعالى معيداً للضمير على غير ما يتبادر إليه الذهن من الظاهر على طريق الاستخدام مؤكداً لأجل إنكار من ينكر البعث: { إنا } أي بما لنا من القدرة والعظمة التي لا يتعاظمها شيء { أنشأناهن } أي الفرش التي معناها النساء من أهل الدنيا بعد الموت ولو عن الهرم والعجز بالبعث، وزاد في التأكيد فقال: { إنشاء * } أي من غير ولادة، بل جمعناهن من التراب كما فعلنا في سائر المكلفين ليكونوا كأبيهم آدم عليه الصلاة والسلام في خلقه من تراب، فتكون الإعادة كالبداءة، ولذلك يكون الكل عند دخول الجنة على شكله عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن يكون المراد بهن الحور العين فيكون إنشاء مبتدعاً لم يسبق له وجود.

ولما كان للنفس أتم التفات إلى الاختصاص، وكان الأصل في الأنثى المنشأة أن تكون بكراً، نبه على أن المراد بكارة لا تزول إلا حال الوطىء ثم تعود، فكلما عاد إليها وجدها بكراً، فقال: { فجعلناهن } أي الفرش الثيبات وغيرهن بعظمتنا المحيطة بكل شيء { أبكاراً * } أي بكارة دائمة لأنه لا تغيير في الجنة ولا نقص.

ولما كان مما جرت به العادة أن البكر تتضرر من الزوج لما يلحقها من الوجع بإزالة البكارة، دل على أنه لا نكد هناك أصلاً بوجع ولا غيره بقوله: { عرباً } جمع عروب، وهي الغنجة المتحببة إلى زوجها، قال الرازي في اللوامع: الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب. ولما كان الاتفاق في السن أدعى إلى المحبة ومزيد الألفة قال: { أتراباً * } أي على سن واحدة وقد واحد، بنات ثلاث وثلاثين سنة وكذا أزواجهن. قال الرازي في اللوامع: أخذ من لعب الصبيان بالتراب - انتهى، " وروى البغوي من طريق عبد بن حميد عن الحسن: قال أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: " يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، قال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: إنا أنشأناهن، الآية " رواه الترمذي عنه في الشمائل هكذا مرسلاً، ورواه البيهقي في كتاب البعث عن عائشة رضي الله عنها والطبراني في الأوسط من وجه عنها، ومن وجه آخر عن أنس رضي الله عنه، قال شيخنا حافظ عصره ابن حجر: وكل طرقه ضعيفة، وروى البغوي أيضاً من طريق الثعلبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: " عجائزكن في الدنيا عمشاً رمصاً فجعلهن أبكاراً ".

ولما كان هذا الوصف البديع مقتضياً لما يزدهي عنه النفس لأن يقال: لمن هؤلاء؟ وإن كان قد علم قبل ذلك، نبه عليه بقوله تعالى: { لأصحاب اليمين * } ويجوز أن يتعلق بـ { أتراباً } نصاً على أنهن في أسنان أزواجهن.

السابقالتالي
2 3