الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

ولما كان قد عرف ما للمجرم المجترئ على العظائم، وقدمه لما اقتضاه مقام التكبر من الترهيب وجعله سبعاً إشارة إلى أبواب النار السبعة، عطف عليه ما للخائف الذي أداه خوفه إلى الطاعة وجعله ثمانية على عدد أبواب الجنة الثمانية فقال: { ولمن } أي ولكل من، ووحد الضمير مراعاة للفظ { من } إشارة إلى قلة الخائفين { خاف } أي من الثقلين.

ولما كان ذكر الخوف من الزمان المضروب للحساب والتدبير والمكان المعد لهما أبلغ من ذكر الخوف من الملك المحاسب المدبر، والخوف مع ذكر وصف الإكرام أبلغ من ذكر الخوف عند ذكر أوصاف الجلال، قال دالاًّ بذلك على أن المذكور رأس الخائفين: { مقام ربه } أي مكان قيامه الذي يقيمه وغيره فيه المحسن إليه للحكم وزمانه الذي ضربه له وقيامه عليه وعلى غيره بالتدبير، فهو رقيب عليه وعليهم، فكيف إذا ذكر مقام المنتقم الجبار المتكبر فترك لهذا ما يغضبه وفعل ما يرضيه { جنَّتان } عن يمين وشمال، واحدة للعلم والعقل وأخرى للعمل، ويمكن أن يراد بالتثنية المبالغة إفهاماً لأنها جنان متكررة ومتكثرة مثلألقيا في جهنم كل كفَّارٍ عنيد } [ق: 24] ونحو ذلك.

ولما كانت هذه نعمة جامعة، سبب عنها قوله: { فبأيِّ آلاء ربكما } أي نعم المربي لكما والمحسن إليكم بإحسانه الكبار التي لا يقدر غيره على شيء منها { تكذبان * } أبنعمة الشم من اليسار المنبعثة من القلب أو غيرها من تربة جنان الدنيا بنفس جهنم من حر الشمس وحرورها، فجعل من ذلك جميع الفواكه والزروع إلى غير ذلك من المرافق التي طبخها بهاوكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون } [يوسف: 105] وغير ذلك من نعمه التي لا تحصى.

ولما كانت البساتين لا يكمل مدحها إلا بكثرة الأنواع والألوان والفروع المشتبكة والأغصان، قال واصفاً لهما: { ذواتا } أي صاحبتا برد عين الكلمة فإن أصلها " ذوو " { أفنان * } أي جميع فن يتنوع فيه الثمار، وفنن وهو الغصن المستقيم طولاً الذي تكون به الزينة بالورق والثمر وكمال الانتفاع، قال عطاء: في كل غصن فنون من الفاكهة؛ ولهذا سبب عنه قوله: { فبأيّ آلاء ربكما } أي المربي لكما والمحسن إليكما { تكذبان * } أبنعمة الشم من جهة الفوق أو غيرها مما ذكره لكم من وصف الجنة الذي جعل لكم من أمثاله ما تعتبرون به.

ولما كانت الجنان لا تقوم إلا بالأنهار قال: { فيهما عينان } أي في كل واحدة عين { تجريان * } أي في كل مكان شاء صاحبهما وإن علا مكانه كما تصعد المياه في الأشجار في كل غصن منها، وإن زاد علوها جرى على عيني دموعه الجاريتين من خشية الله وذلك على مثال جنان الدنيا، والشمس صاعدة في البروج الشمالية من تكامل المياه وتفجرها عيوناً في أيام الربيع والصيف لقرب العهد بالأمطار { فبأي آلاء ربكما } أي المالك لكما والمحسن إليكما { تكذبان * } أبنعمة الشم من جهة التحت أو غيرها مما ذكره وجعل له في الدنيا أمثالاً كثيراً.

السابقالتالي
2 3