الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }

ولما كان التقاء المايعين ولا سيما مع الاضطراب الدائم الاختلاط فيحيل ما لأحدهما أو لكل منهما من الصفات إلى الصفات الأخرى، فتشوفت النفس إلى المانع من مثل ذلك في البحرين، قال مستأنفاً: { بينهما برزخ } أي حاجز عظيم من القدرة المجردة على الأول وتسيب الأرض على الثاني يمنعهما مع الالتقاء من الاختلاط، وقال ابن برجان: البرزخ ما ليس هو بصريح هذا ولا بصريح هذا، فكذلك السهل والجبل بينهما برزخ يسمى الخيف، كذلك الليل والنهار بينهما برزخ يسمى غبشاً، كذلك بين الدنيا والآخرة برزخ ليس من هذا ولا من هذا ولا هو خارج عنهما، وكذلك الربيعان هما برزخان بين الشتاء والصيف بمنزلة غبش أول النهار وغبش آخره، جعل بين كل صنفين من الموجودات برزخاً ليس من هذا ولا من هذا وهو منهما كالجماد والنبات والحيوان.

ولما كانت نتيجة ذلك كذلك قال: { لا يبغيان * } أي لا يطغيان في هلاك الناس كما طغيا فأهلكا من على الأرض أيام نوح عليه الصلاة والسلام، ولا يبغي واحد منهما على الآخر بالممارجة، ولا يتجاوزان ما حده لهما خالقهما ومدبرهما لا في الظاهر ولا في الباطن، فمتى حفرت على جنب المالح وجدت الماء العذب، وإن قربت الحفرة منه بل كلما قربت كان أحلى، فخلطهما الله سبحانه في رأى العين وحجز بينهما في رأى عين القدرة، هذا وهما جمادان لا نطق لهما ولا إدراك، فكيف يبغي بعضكم على بعض أيها المدركون العقلاء.

ولما كان هذا أمراً باهراً دالاً دلالة ظاهرة على تمام قدرته لا سيما على الآخرة، قال مسبباً عنه: { فبأيَّ آلاء ربكما } أي الموجد لكما والمربي { تكذبان * } أي بنعمة الإبصار من جهة اليسار أو غيره، فهلا اعتبرتم بهذه الأصول من أنواع الموجودات فصدقتم بالآخرة لعلمكم بهذه البرازخ أن موتتكم هذه برزخ وفصل بين الدنيا والآخرة كالعشاء بين الليل والنهار، ولو استقر أتم ذلك في آيات السماوات والأرض وجدتموه شائعاً في جميع الأكوان.

ولما ذكر المنة بالبحر ذكر النعمة بما ينبت فيه كما فعل بالبر، فقال معبراً بالمبني للمفعول لأن كلاً من وجوده فيه والتسليط على إخراجه منه خارق من غير نظر إلى مخرج معين، والنعمة نفس الخروج، ولذلك قرأ غير نافع والبصريين بالبناء للفاعل من الخروج: { يخرج منهما } أي بمخالطة العذب الملح من غير واسطة أو بواسطة السحاب، فصار ذلك كالذكر والأنثى، قال الرازي: فيكون العذب العذب كاللقاح للملح، وقال أبو حيان: قال الجمهور: إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي يقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب إسناد ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة مولاه رضي الله عنه: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر - انتهى.

السابقالتالي
2 3