الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ }

ولما كان التقدير: فأعرض الكفار عن آية انشقاقه وقالوا: سحر، مع علمهم بأنه دال قطعاً على صدق من انشق لتصديقه، عطف عليه الإعلام بحالهم في المستقبل فطماً لمن يطلبه من المؤمنين إجابة مقترحة من مقترحاتهم رجاء إيمانهم فقال: { وإن يروا } أي فيما يأتي { آية } أي أية آية كانت { يعرضوا } أي عن الانتفاع بها كما أن أعرضوا عن هذه لما رأوها، وقال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: أمهلوا حتى يجيء السفار، فإن قالوا: إنهم رأوا كما رأيتم فليست بسحر، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر أهل الأرض كلهم، فجاء السفار وشهدوا برؤيته منشقاً، ومع ذلك فلم يؤمنوا { ويقولوا } أي على سبيل التجديد منهم والاستمرار: هذا { سحر } أي هذا الذي يأتينا به هذا الرجل من وادي الخيال الذي لا حقيقة له وهو { مستمر * } أي لأنه فارق السحر بأنه لا ينكشف في الحال لأنه محكم ثابت دائم بشموله وإحاطته بجميع الأنواع، ولذلك يتأثر عنه غاية الخوارق المتباينة الأنواع الكثيرة.

ولما فطم عن التشوف إلى إجابتهم في المقترحات على ما قدرته، تسبب منهم عن الانشقاق بقوله: { وكذبوا } أي بكون الانشقاق دالاً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وجزموا بالتكذيب عناداً أو خبثاً منهم. ولما كان التكذيب في نفسه قد يكون حقاً، قال مبيناً أنه باطل، فبين عن حالهم بقوله: { واتبعوا } أي بمعالجة فطرهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق { أهواءهم } أي حتى نابذوا ما دلتهم عليه بعد الفطرة الأولى عقولهم، قال القشيري: إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب، لأن الله سبحانه وتعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد، واتباع الرضى مقرون بالتصديق لأن الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق - والله الهادي. ولما كان ذلك مفظعاً لقلوب المحقين، سلاهم بالوصول إلى محط تظهر فيه الحقائق وتضمحل فيه الشقاشق، فقال عاطفاً على ما تقديره: فسيستقر أمر كل من أمر المحق والمبطل في قراره، ويطلع على دقائقه وأسراره: { وكل أمر } من أموركم وغيرها { مستقر * } أي ثابت وموجود، انتهاؤه إلى غاية تظهر فيها حقيقته من غير حيلة تصاحبه إلى رد ذلك القرار ولا خفاء على أحد، فلا بد أن ينتهي الحق من كل شيء من الآجال والهدايات والضلالات والسعادات والشقاوات وغيرها إلى نهايته فيثبت ثبوتاً لا زوال له، وينتهي الباطل مما دعاه الخلق فيه إلى غايته فيتلاشى تلاشياً لا ثبات له بوجه من الوجوه، فإذا استقرت الأمور ظهر ما لهم عليه وعلموا الخاسر من الفائز، وفي مثل هذا قال ابن عمرو التيمي أخو القعقاع في وقعة السي (؟) من بلاد العراق:

السابقالتالي
2 3