الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }

ولما كان الانتشار قد يكون وجه المهل والوقار، قال مبيناً أن الأمر على خلاف ذلك زيادة في هول ذلك اليوم وتقريراً لما تقدم من وصفه: { مهطعين إلى الداع } أي مسرعين خائفين مقبلين بأبصارهم عليه لا يقلعون عنه، مادين أعناقهم نحوه مصوبي رؤوسهم لا يلتفتون إلى سواه كما يفعل من ينظر في ذلك وخضوع وصمت واستكانة. ولما بين حال الكل حصر حال المبطلين فقال: { يقول } أي على سبيل التكرار: { الكافرين } أي الذين كانوا في الدنيا عريقين في ستر الأدلة وإظهار الأباطيل المضلة: { هذا } أي الوقت الذي نحن فيه بما نرى من الأهوال { يوم عسر * } أي في غاية العسر الصعوبة والشدة، وذلك بحسب حالهم فيه.

ولما تقدم أمره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتولي عنهم تهديداً لهم، وصرح بما أراد من أمر الساعة لما دعا إلى ذلك من تقدم ذكرها، ولأنها أشد هول يهددون به، وبياناً أن الخلق ما خلق إلا لأجلها لأنها محط الحكمة، وختم بعسرها على الكافرين، تمم ذلك التهديد بعذاب الدنيا ردعاً لأهل الغلظة الموكلين بالمحسوسات، فذكر عسر يوم كان على الكافرين فيها، فقال مهدداً لقريش بجعل القصة مثلاً لهم في إهلاكهم وفي أمر الساعة من حيث إنه كما أهلك أهل الأرض في آن واحد بما أرسله من الماء فهو قادر على أن يهلكهم في آن واحد بالصيحة، وكما صرف هذا التصريف الذي ما سمع بمثله في الإهلاك فهو قادر على أن يصرفه في الإحياء عند البعث على وجه ما عهد مثله تنبت فيه الأجساد وتحيا فيه العباد، جواباً لمن كأنه قال: هذا ما يوعدونه بعد الموت، فهل لهم عذاب قبله دال على كمال القدرة: { كذبت } أو أوقعت التكذيب العظيم الذي عموا به جميع الرسالات وجميع الرسل، وأنث فعلهم تحقيراً لهم وتهويناً لأمرهم في جنب قدرته.

ولما كان ما كان من تصميمهم عليه وعزمهم على عدم الانفكاك عنه لكونه جبلة مستغرقاً لجميع ما بعدهم من الزمان، وكانوا قد سنوا سنة التكذيب فكان عليهم مع وزرهم وزر من أتى بعدهم، وكان ما قبلهم من الزمان يسيراً في جنب ما بعده عدماً، فلذلك ذكر الظرف من غير حرف جر لأنه مع أنه الحق أعظم في التسلية فقال: { قبلهم } أي في جميع ما سلف من الزمان ومضى بعضه بالفعل وبعضه بالقوة لقوة العزم: { قوم نوح } مع ما كان بهم من القوة ولهم من الانتشار في جميع الأقطار.

ولما ذكر تكذيبهم إشارة إلى أنه جبلة لهم جحدوا بها النبوة رأساً فلاحظ لهم في التصديق للحق فلا يفترق حالهم بالنسبة إلى أحد من الناس كان من كان، فلذلك سبب عن هذا المطلق قوله: { فكذبوا عبدنا } أي على ما له من العظمة نسبة إلينا لكونه لم يتعبد لغيرنا قط مع تشريفنا إياه بالرسالة، فكان تكذيبهم فراً مما دخل في تكذيبهم المطلق الشامل لكل ما يمكن تكذيبه وهو ميد (؟) { وقالوا } مع التكذيب أيضاً زيادة على تغطية ما ظهر منه من الهداية: { مجنون } أي فهذا الذي يظهر له من الخوارق من أمر الجن.

السابقالتالي
2 3