الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }

لما ختمت النجم بالتهديد باقتراب القيامة التي ينكرونها بعد أن فتحها بالأقسام البلس (؟) في النجم الذي هو أعم من القمر وغيره بتسييره طلوعاً وأفولاً وصعوداً وهبوطاً، افتتح هذه بذلك مع الدلالة عليه عقلاً وسمعاً في التأثير في أعظم آيات الله وغير ذلك ليقطع العباد عن الفساد، ويستعدوا لها قبل مجيئها أحسن استعداد، فقال دالا على عظيم اقتداره عليها بتأنيث فعلها: { اقتربت الساعة } اشتدت قرباً الساعة: اللحظة التي لا ساعة في الحقيقة غيرها التي تقوم فيها القيامة لأنه قل ما بقي بيننا وبينها بالنسبة إلى ما مضى من زمن آدم عليه السلام لبعث خاتم الأنبياء الذي لم يبق بعد أمته أمة تنتظر، فيكون في الزمان مهلة لذلك.

ولما كان الإخبار باقترابها يحتاج عند المعاند إلى آية دالة عليه، وكانت الآيات السماوية أعظم، فالتأثير فيها أدل على تمام الاقتدار، وكان القمر أدل على الأنواء التي بها منافع الخلق في معاشهم، وكانت العرب أعرف الناس بها، دلهم على التأثير فيه على اقترابها مع الإرهاب من شدائد العذاب بإعدام الأسباب فقال: { وانشق } بغاية السرعة والسهولة { القمر * } آية للرسول المنذر لكم بها، فكان انشقاقه - مع الدلالة على ذلك بإعجاز القرآن وغيره - دالاً على كونها وقربها أيضاً بالتأثير العظيم الخارق لعادة ما قبله من التأثير في أحد النيرين اللذين هما أعظم الأسباب المقامة للمعايش الدال على القدرة على التأثير في الآخرة الدال ذلك على القدرة على تمام التصرف فيهما من جمعهما وخسفهما واعتدامهما ولسببهما (؟) الذي هو من أسباب خراب الأرض، يقول الإنسان عنده: أين المفر؟ المؤذن بطيّ العالم المعلم بأن له رباً فاعلاً بالاختيار مدبراً بالحكم الدال على بعث عباده ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، فيثيب من تابع رسله ويعاقب من خالفهم، وانشقاق القمر على حقيقته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أمر شهير جداً، وإجماع أهل التفسير عليه كما قاله القشيري، وقال: رواه ابن مسعود رضي الله عنده ولا مخالف له فيه - انتهى. وذلك أن قريشاً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية " فأراهم انشاق القمر بحيث طلعت فرقة عن يمين حراء وأخرى عن يساره " - رواه الشيخان عن ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما، ومعلوم أن الأمة تلقت كتابيهما بالقبول فهو يكاد يلحق بالمتواتر وقد أيده القرآن فلم يبق فيه شك، قال القشيري: وروى أيضاً ابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم، وقال أبو حيان: سبب نزولها أن مشركي العرب من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين، ووعدوه بالإيمان إن فعل ذلك، وكانت ليلة البدر فسأل ربه فانشق - انتهى، ومن قال: المراد به " سينشق " يحتاج في صرف الماضي عن حقيقته إلى المستقبل إلى صارف وأنى له ذلك ولا سيما وقد تأيدت الحقيقة بالنسبة الصحيحة الشهيرة.

السابقالتالي
2 3 4 5