الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } * { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

ولما كان التقدير تسكيناً لقلب من يريد إجابتهم إلى الآيات المقترحات طمعاً في إيمانهم: فلقد تلونا عليهم في هذه السورة وغيرها من الآيات، وخلونا من المعجزات البينات، وأتينا من تناقضهم في هذه التقسيمات، بما يهد الجبال الشامخات، وبينا من فضائحهم بحسن سوقها وحلاوة ذوقها، وصحة معانيها وإحكام مبانيها، ما يزلزل الراسيات، ويحل العزمات، ويفرج الأزمات، ويصد ذوي المروات عن أمثال هذه النقائص الفاضحات، لما لها من الأدلة الواضحات، ولكنهم لما ألزمناهم به من العكس لا يؤمنون، وكدناهم بما أعمينا من بصائرهم فهم لا يعلمون أنهم المكيدون، عطف عليه قوله: { وإن يروا } أي معاينة { كسفاً } قطعة، وقيل: قطعاً واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر { من السماء } نهاراً جهاراً { ساقطاً يقولوا } لدداً وتجلداً في البغي إصراراً، وتعلقهم بما أمكنهم من الشبه تخييلاً على العقول وإيقافاً لذوي الآراء والفهوم دأب الأصيل في نصر الباطل ومكابرة الحق لما لهم من العراقة في عمى القلوب بما لنا من القدرة على صرفهم عن وجوه الأمر: هذا { سحاب } فإن قيل لهم: هو مخالف للسحاب بصلابته، قالوا: { مركوم * } أي تراكم بعضه على بعض فتصلب، ولذلك سبب عن هذا الحال الدال على أنهم وصلوا في عمى البصائر إلى أنه لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون، قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه: { فذرهم } أي اتركهم على شر أحوالهم { حتى يلاقوا } سعياً بسوء أعمالهم { يومهم } كما أنه هو يسعى إليهم لاستحقاقهم لما فيه { الذي فيه } لا في غيره لأن ما حكمنا به لا يتقدم ولا يتأخر { يصعقون * } بالموت من شدة الأهوال وعظيم الزلزال كما صعق بنو إسرائيل في الطور، ولكنا لانقيمهم كما أقمنا أولئك إلا عند النفخ في الصور لنحشرهم إلى الحساب الذي يكذبون به، والظاهر أن هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعين بالنصرة فيها فما أغنى أحد منهم عن أحد شيئاً كما قال أبو سفيان بن الحارث: ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا. { يوم لا يغني } أي بوجه من الوجوه { عنهم كيدهم } الذي يرمونه بهذه الأقوال المتناقضة { شيئاً } أي من الإغناء في دفع شيء يكرهونه من الموت ولا غيره كما يظنون أنه يغني عنهم في غير ذلك من أحوال هذه الدار بتثبيط الناس عن اتباع القرآن بما يصفونه به من البهتان { ولا هم ينصرون * } أي لا يتجدد لهم نصر من أحد ما في ساعة ما.

ولما أفهم هذا الكلام السابق أن التقدير: فإن لكل ظالم في ذلك اليوم عذاباً لا يحيط به الوصف، فإن الإصعاق من أشد ما يكون من العذاب، عطف عليه قوله مؤكداً لما لهم من الإنكار أي ينصر عليهم المؤمنون وهم من الكثرة والقوة بحيث لا مطمع فيهم لأحد لا سيما لمن هم مثل في الضعف والقلة { وإن } وكان الأصل لهم، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال: { للذين ظلموا } أي أوقعوا الأشياء في غير مواقعها كما يقولونه في القرآن، ويفعلونه من العصيان ويعتقدون من الشرك والبهتان { عذاباً دون ذلك } أي غير عذاب ذلك اليوم الصعب المرير، أو أدنى رتبة منه، إن كان المراد بالعصق ما يكون بعد البعث فبعذاب البزرخ في القبور، وإن كان المراد به الموت فيما يلقونه في الدنيا من عذابي بواسطتكم مثل تحيزكم إلى الأنصار في دار الهجرة ومعدن النصرة وصيرورتكم في القوة بحيث تناصبونهم الحرب، وتعاطونهم الطعن والضرب، فتكونوا بعد أن كنتم طوع أيديهم قذى في أعينهم وشجاً في حلوقهم ودحضاً لأقدامهم ونقضاً لإبرامهم، ومثل القحط الذي حصل لهم والسرايا التي لقيتموها فيها مثل سرية حمزة أسد الله وأسد رسوله، وعبيدة بن الحارث وعبيد الله بن جحش التي كانت مقدمة لغزوة بدر.

السابقالتالي
2 3