الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } * { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ولما كان ما مضى على تقدير وجود الإله مع الشركة، وكان ادعاؤهم الولد عظيماً جداً لدلالته على حاجته وضعفه، وكان جعله بنات أعظم لأنه دال مع ضعفه على سفهه، دل على استعظامه بالالتفات إلى خطابهم بعذابهم فقال: { أم له البنات } أي كما ادعيتم { ولكم } أي خاصة { البنون * } لتكونوا أقوى منه فتكذبوا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وتردوا قوله من غير حجة فتكونوا آمنين من عذاب يأتيكم منه لضعفه وقوتكم، وهذه الأقسام كلها على تقدير التكذيب، وهي هنا بذكر ما على تقدير التصديق، وإنما وقع الرد فيها لعارض عرض.

ولما كان المكذب بشيء قد يكون معترفاً بأنه من عند إله، وأن إلهه متصف بجميع صفات الكمال فلا شريك له، وإنما تكذيبه لقادح لا يقدر عليه، وكرب رمى بجميع أنكاده إليه، أعرض عنهم التفاتاً إلى الأسلوب الأول فقال مخاطباً له صلى الله عليه وسلم تنويهاً بذكره ورفعاً لعظيم قدره وتسلية لما يعلم من نفسه الشريفة البراءة منه: { أم تسألهم } أي أيها الطاهر الشيم البعيد عن مواضع التهم { أجراً } على إبلاغ ما أتيتهم به { فهم من مغرم } ولو قل، والمغرم: التزام ما لا يجب { مثقلون * } أي حمل عليهم حامل بذلك ثقلاً فهم لذلك يكذبون من كان سبباً في هذا الثقل بغير مستند ليستريحوا مما جره لهم من الثقل.

ولما كان من يدعي الانفراد بشيء يحسد من يدعي مشاركته فيه قال: { أم عندهم } أي خاصة بهم { الغيب } أي علمه { فهم يكتبون * } أي يجددون للناس كتابة جميع ما غابة عنهم مما ينفعهم ويضرهم حتى يحسدونك فيما شاركتهم به منه، فيردوه لذلك، وينسبوك إلى ما نسبوك إليه مما يعلم كل أحد ترافعك عنه وبعدك منه { أم يريدون } بهذا القول الذي يرمونك به { كيداً } أي مكراً أو ضرراً عظيماً يطفئون به نور الله بزعمهم مع علمهم بأنك صادق فيه، فهم بسبب إرادتهم ذلك هكذا كان الأصل، ولكنه قال تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف: { فالذين كفروا } أي ستروا الأجلة تارة عناداً وتارة بالإعراض عن تأملها { هم } أي خاصة { المكيدون * } أي يختص وبال الكيد بلزومه لهم وقطعه لدابرهم لأن من كان الإله عليه كان خاسراً، وأقرب مآلهم من الكيد الظاهر في بدر عن انتهاء سنين عدتها عدة ما هنا من " أم " وهي خمسة عشرة مرة لأن بدراً كانت في الثانية من الهجرة، وهي الخامسة عشرة من النبوة، فقد سبب الله فيها من الأسباب ما أوجب سعيهم إلى هلاكهم بأمور خارقة للعادة، فلو كانت لهم بصائر لكفتهم في الهداية، والرد عن الضلالة والغواية.

ولما كان التقدير: أكذلك الأمر عادله بقوله: { أم لهم إله } يمنعهم من التصديق بكتابنا، أو يستندون إليه للأمان من عذابنا { غير الله } الذي أحاط بجميع صفات الكمال، فلا يمكن بوجه من الوجوه ولا على تقدير من التقادير أن يكون معه إله، ولذلك وصل به قوله: { سبحان الله } أي الملك الأعظم الذي تعالى أن يداني جنابه شائبة نقص { عما يشركون } من الأصنام وغيرها، وأخر سبحانه هذا القسم وهو من الشركة لكن بالغير لأنه آت على تقدير التصديق للرسول صلى ولأنه دينهم الذي أوقفهم عن الهدى، فأوقعهم في الردى، ليحتم بنفسه والتنزيه عن الإقسام فيحصل به غاية القصد والمرام.

السابقالتالي
2 3