الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

ولما ثبت أنه لا ملجأ إلا إلى الله الواحد المنزه عن الزوج، وذلك هو الله الذي له الكمال كله، وكان ربما وقع في وهم أن في الوجود من غير الزوجين المعروفين من نفزع إليه كما نفزع إلى وزير الملك وبوابه ونحو ذلك مما يوصل إليه، قال محذراً من سطواته: { ولا تجعلوا } أي بأهوائكم { مع الله } وكرر الاسم الأعظم ولم يضمر تعييناً للمراد لأنه لم يشاركه في التسمية به أحد وتنبيهاً على ما له من صفات الكمال وتعميماً لوجوه المقاصد لئلا يظن، وقيل " معه " إن المراد النهي عن الجعل من جهة الفرار لا من جهة غيرها { إلهاً }.

ولما كان المراد كمال البيان، منع مجاز التجريد منع تعنت من يطعن بتكثير الأسماء كما أشار إليه بقوله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } الآية بقوله: { آخر } ثم علل النهي مع التأكيد لطعنهم في نذارته فقال: { إني لكم منه } أي لا من غيره فإن غيره لا يقدر على شيء { نذير } أي محذر من الهلاك الأبدي بالعقوبة التي لا خلاص منها إن فعلتم ذلك { مبين * } أي لا أقول شيئاً من واضح النقل إلا ودليله ظاهر من صريح العقل. ولما ذكر قولهم المختلف الذي منه تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبته إلى السحر والجنون وغير ذلك من الفنون، ومنه الإشراك مع اعترافهم بأنه لا خالق إلا الله ولا كاشف ضر غيره إلى غير ذلك من أنواع الاضطراب، وأخبر بهلاكتهم على ذلك وحذرهم منه ودل عليه إلى أن ختم بإنذار من اتخذ إلهاً غيره قال مسلياً: { كذلك } أي مثل قول قومك المختلف العظيم الشناعة، البعيد من الصواب، بما له من الاضطراب، وقع لمن قبلهم، ودل على هذا المقدر بقوله مستأنفاً: { ما أتى الذين } ولما كان الرسل إنما كان إرسالهم في بعض الأزمان الماضية ولم يستغرقوا جميعها بالفعل، أثبت الجارّ في قوله: { من قبلهم } وعمم النفي بقوله: { من رسول } أي من عند الله { إلا قالوا } ولو بعضهم برضا الباقين: { ساحر أو مجنون * } لأن الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء كانت " أو " للتفصيل بأن بعضهم قال واحداً وبعضهم قال آخر، أو كانت للشك لأن الساحر يكون لبيباً فطناً آتياً بما يعجز عنه كثير من الناس، والمجنون بالضد من ذلك، ثم عجب منهم بقوله: { أتواصوا به } أي أوصى بهذا بعض الأولين والآخرين بعضاً.

ولما ساق هذا في أسلوب الاستفهام إشارة إلى قول ينبغي السؤال عن سببه لما له من الخفاء، أجاب عنه بأنهم لم يتواصوا به لأن الأولين ما اجتمعوا مع الآخرين: { بل هم } اجتمعوا في وصف أداهم إلى ذلك.

السابقالتالي
2