الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

ولما كان هذا الاختلاف مما لا يكاد يصدق لأنه لا يقع فيه عاقل، بين سببه بأنهم مغلوبون عليه بقهر يد القدرة فقال: { يؤفك } أي يصرف بأيسر أمر وأسهله عن سنن الاستقامة، ويقلب من وجهه لقفاه { عنه } أي يصدر صرفه عن هذا القول مجازاً لما يلزمه من عاره، فهو لأجل ذلك يقوله { من أفك * } أي قلبه قلب قاهر أي تبين بهذا الصرف الذي هو أعظم الصرف أنه حكم في الأزل حكماً ثابتاً جامعاً، فصار لا يصد عنه قول ولا فعل إلا كان مقلوباً وجهه إلى قفاه لا يمكن أن يأتي منه بشيء على وجهه، فكأنه لا مأفوك سواه لشدة افكه وعجيب أمره.

ولما كان الكذب الإخبار بما لا حقيقة له وتعمد الافتراء، وكان الخرص الكذب والافتراء والاختلاف وكل قول بالظن، قال معلماً بما لهم على قولهم هذا: قتلوا أو قتلتم - هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي استحقوه بقولهم: { قتل الخراصون * } أي حصل بأيسر أمر قتل الكذابين ولا محالة من كل قاتل، والمتقولين بالظن المنقطعين للكلام من أصل لا يصلح للخرص وهو القطع، وهم الذين يقولون عن غير سند من كتاب أو سنة أو أثارة من علم، وهو دعاء أو خبر لأنه مجاب: { الذين هم } خاصة { في غمرة } أي أعماق من العمى والضلال، غارقون في سكرهم وجهلهم الذي غمرهم، ولذلك هم مضطربون اضطراب من هو يمشي في معظم البحر فهو لا يكاد ينتظم له أمر من قول ولا فعل ولا حال { ساهون * } أي عريقون في السهو وهو النسيان والغفلة والحيرة وذهاب القلب إلى غيره ما يهمه، ففاعل ذلك ذو ألوان متخالفة من هول ما هو فيه وشدة كربه.

ولما حكم بسهوهم، دل عليه بقوله: { يسئلون } أي حيناً بعد حين على سبيل الاستمرار استهزاء بقولهم: { أيان } أي متى وأي حين { يوم الدين * } أي وقوع الجزاء الذي يخبرنا به، ولولا أنهم بهذه الحالة لتذكروا من أنفسهم أنه ليس أحد منهم يبث عبيده أو أجراءه في عمل من الأعمال إلا وهو يحاسبهم على أعمالهم، وينظر قطعاً في أحوالهم، ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم فكيف يظن بأحكم الحاكمين أن يترك عبيدة الذين خلقهم على هذا النظام المحكم وأبدع لهم هذين الخافقين وهيأ لأجلهم فيهما ما لا ضرورة لهم في التزود للمعاد إلى سواه فيتركهم سدى يوجدهم عبثاً.

ولما تقرر أمر القيامة بالتعبير بساهون قال: { يوم } أي نقول يوم { هم على النار يفتنون * } أي يرمون فيحرقون ويعذبون ويصبحون... من الاختلاف مقولاً لهم على سبيل القرع والتوبيخ: { ذوقوا فتنتكم }... العقوبة من الفتنة المحيطة.

السابقالتالي
2