الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } * { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ }

ولما دل على تمام علمه وشمول قدرته بخلق الإنسان إثر ما ذكره من جميع الأكوان، ثم بإعدامه لأصناف الإنسان في كل زمان، ذكر بخلق ما أكبر منه في المقدار والإنسان بعضه على وجه آخر، فقال عاطفاً على { ولقد خلقنا الانسان } وأكد تنبيهاً لمنكري البعث وتبكيتاً، وافتتحه بحرف التوقع لأن من ذكر بخلق شيء توقع الإخبار عما هو أكبر منه: { ولقد خلقنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يقدر قدرها ولا يطاق حصرها { السماوات والأرض } على ما هما عليه من الكبر وكثرة المنافع { وما بينهما } من الأمور التي لا ينتظم الأمر على قاعدة الأسباب والمسببات بدونها { في ستة أيام } الأرض في يومين، ومنافعها في يومين، والسماوات في يومين، ولو شاء لكان ذلك في أقل من لمح البصر، ولكنه سن لنا التأني بذلك { وما مسنا } لأجل ما لنا من العظمة { من لغوب * } أي إعياء فإنه لو كان لاقتضى ضعفاً فاقتضى فساداً، فكان من ذلك شيء على غير ما أردناه، فكان تصرفنا فيه غير تصرفنا في الباقي، وأنتم تشاهدون الأمر في الكل على حد سواء من نفوذ الأمر وتمام التصرف، من اللغب وهو الإعياء، والريش اللغاب وهو الفاسد.

ولما دل سبحانه على شمول العلم وإحاطة القدرة، وكشف فيهما الأمر أتم كشف، كان علم الحبيب القادر بما يفعل العدو أعظم نذارة للعدو وبشارة للولي، سبب عن ذلك قوله: { فاصبر على ما } أي جميع الذي { يقولون } أي الكفرة وغيرهم. ولما كانت أقوالهم لا تليق بالجناب الأقدس، أمر سبحانه بما يفيد أن ذلك بإرادته وأنه موجب لتنزيهه، وكماله، لأنه قهر قائله على قوله، ولو كان الأمر بإرادة ذلك القائل استقلالاً لكان ذلك في غاية البعد عنه، لأنه موجب للهلاك، فقال: { وسبح } أي أوقع التنزيه عن كل شائبة نقص متلبساً { بحمد ربك } أي بإثبات الإحاطة بجميع صفات الكمال للسيد المدبر المحسن إليك بجميع هذه البراهين التي خصك بها تفضيلاً لك على جميع الخلق في جميع ما { قبل طلوع الشمس } بصلاة الصبح، وما يليق به من التسبيح غيرها { وقبل الغروب } بصلاة العصر والظهر كذلك فالعصر أصل لذلك الوقت والظهر تبع لها.

ولما ذكر ما هو أدل على الحب في المعبود لأنه وقت الانتشار إلى الأمور الضرورية التي بها القوام والرجوع لقصد الراحة الجسدية بالأكل والشرب واللعب والاجتماع بعد الانتشار والانضمام مع ما في الوقتين من الدلالة الظاهرة على طي الخلق ثم نشرهم، أتبعه ما يكون وقت السكون المراد به الراحة بلذيذ الاضطجاع والمنام فقال: { ومن الليل } أي في بعض أقواته { فسبحه } بصلاتي المغرب والعشاء وقيام الليل لأن الليل وقت الخلوات وهي ألذ المناجاة.

السابقالتالي
2 3