الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } * { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ }

ولما كان التقدير: فأخذ ذلك الإنسان بالقهر من بين الأهل والإخوان، والعشائر والجيران، وضم إلى عسكر الموتى وهم بالبرزخ نزول، ولانتظار بقيتهم حلول، ولم يزالوا كذلك حتى تكامل القادمون عليهم الواصلون إليهم، عطف عليه قوله مبنياً لإحاطة من عامل الملكوت والعز والجبروت: { ونفخ } أي بأدنى إشارة وأيسر أمر { في الصور } وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للموت العام والبعث العام عند التكامل، وانقطاع أوان التعامل، وهو بحيث لا يعلم قدر عظمه واتساعه إلا الله تعالى، وهو عليه الصلاة والسلام التقم الصور من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر، فيا لها من عظمة ما أغفلنا عنها، وأنسانا لها، وآمننا منها، والمراد بهذه نفخة البعث.

ولما كان ذلك الأثر عن النفس هو سر الوجود، وأشار إلى عظمته بقوله: { ذلك } أي الوقت الكبير العظيم الأهوال والزلازل والأوجال { يوم الوعيد * } أي الذي يقع فيه ما وقع الإيعاد به.

ولما كان التقدير: فكان من تلك النفخة صيحة هائلة ورجة شاملة، فقال الناس عامة من قبورهم، وحصل ما في صدورهم، عطف عليه قوله بياناً لإحاطة العرض: { وجاءت كل نفس } أي مكلفة كائناً { معها سائق } يسوقها إلى ماهي كارهة للغاية لعلمه بما قدمت من النقائص { وشهيد * } يشهد عليها بما عملت، والظاهر من هذا أن السائق لا تعلق له بالشهادة أصلاً، لئلا تقول تلك النفس: إنه خصم، والخصم لا تقبل شهادته، ويقال حينئذ للمفرط في الأعمال في أسلوب التأكيد جرياً على ما كان يستحقه إنكاره في الدنيا، وتنبيهاً على أنه لعظمه مما يحق تأكيده: { لقد كنت } أي كوناً كأنه جبلة لك { في غفلة } أي عظيمة محيطة بك ناشئة لك { من هذا } أي من تصور هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب، والجزاء بالثواب أو العقاب لأنه على شدة جلائه خفي على من اتبع الشهوات { فكشفنا } بعظمتنا بالموت ثم بالعبث { عنك غطاءك } الذي كان يحجبك عن رؤيته من الغفلة بالآمال في الجاه والأموال وسائر الحظوظ والشهوات، تحقيقاً لما له سبحانه من الإحاطة بالتقدير والتعجيز، وعن الواسطي: من كشف عنه غطاء الغفلة أبصر الأشياء كلها في أسر القدرة وانكشف له حقائق الأشياء بأسرها، وهذا عبارة عن العلم بأحوال القيامة.

ولما تسبب عن هذا الكشف الانكشاف التام، عبر عنه بقوله: { فبصرك اليوم } أي بعد البعث { حديد * } أي في غاية الحدة والنفوذ، فلذا تقر بما كنت تنكر.

ولما أخبر أخبر تعالى بما تقوله له الملائكة أو من أراد من جنوده، وكان قد أخبر أن معبوداتهم من الأصنام والشياطين وغيرها تكون عليهم يوم القيامة ضداً، أخبر بما يقول القرين من السائق والشهيد والشيطان الذي تقدم حديثه في الزخرف، فقال عاطفاً على القول المقدر قبل " لقد " معبراً بصيغة المضي تأكيداً لمضمونه وتحقيقاً: { وقال قرينه } أي الشيطان الذي سلط على إغوائه واستدراجه إلى ما يريد.

السابقالتالي
2 3