الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

ولما كان في هذه المأمورات والمنهيات خروج عن المألوفات، وكانت الصلاة أوثق عرى الدين، وكان قد عبر عنها بالإيمان الذي هو أصل الدين وأساس الأعمال، عطف عليها قوله تذكيراً بما يوجب القبول والانقياد: { واذكروا } أي ذكر اتعاظ وتأمل واعتبار.

ولما كان المقصود من الإنعام غايته قال: { نعمة الله } أي الملك الأعلى { عليكم } أي في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، وفي غير ذلك من جميع النعم، وإنما لم تجمع لئلا يظن أن المقصود تعداد النعم، لا الندب إلى الشكر بتأمل أن هذا الجنس لا يقدر عليه غيره سبحانه وعظَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يستحقه بجعل فعله سبحانه فعله صلى الله عليه وسلم فقال: { وميثاقه } أي عقده الوثيق { الذي واثقكم به } أي بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره { إذ } أي حين { قلتم سمعنا وأطعنا } وفي ذلك تحذير من مثل ما أراد بهم شاس بن قيس، وتذكير بما أوجب له صلى الله عليه وسلم عليهم من الشكر بهدايته لهم إلى الإسلام المثمر لالتزام تلك العهود ليلة العقبة الموجبه للوفاء الموعود عليه الجنة، والتفات إلى قوله أول السورةأوفوا بالعقود } [المائدة: 1] وحديث إسباغ الوضوء على المكاره مبيّن لحسن هذه التناسب.

ولما كان أمر الوفاء بالعهد صعباً، لا يقوم به إلا من صدقت عريقته وصلحت سريرته، وإنما يحمل عليه مخافة الله قال: { واتقوا الله } أي اجعلوا بينكم وبين ما يغضب الملك الأعظم. الذي يفعل ما يشاء. من نقض العهد وقاية من حسن القيام، لتكونوا في أعلى درجات وعيه، ثم علل ذلك مرغباً مرهباً بقوله: { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { عليم } أي بالغ العلم { بذات الصدور * } أي أحوالها من سرائرها وإن كان صاحبها لم يعلمها لكونها لم تبرز إلى الوجود، وعلانيتها وإن صاحبها قد نسيها.

ولما تقدم القيام إلى الصلاة، وتقدم ذكر الأزواج المأمور فيهن بالعدل في أول النساء وأثنائها، وكان في الأزواج المذكورات هنا الكافرات، ناسب تعقيب ذلك بعد الأمر بالتقوى بقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان, ولما كان العدل في غاية الصعوبة على الإنسان، فكان لذلك يحتاج المتخلق به إلى تدريب كبير ليصير صفة راسخة، عبر بالكون فقال تعالى: { كونوا قوّامين } أي مجتهدين في القيام على النساء اللاتي أخذتموهن بعهد الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وعلى غيرهن في الصلاة وغيرها من جميع الطاعات التي عاهدتم على الوفاء بها.

ولما كان مبنى السورة على الوفاء بالعهد الوثيق، وكان الوفاء بذلك إنما يخف على النفوس، ويصح النشاط فيه، ويعظم العزم عليه بالتذكير بجلالة موثقة وعدم انتهاك حرمته، لأن المعاهد إنما يكون باسمه ولحفظ وحده ورسمه، قدم قوله: { لله } أي الذي له الإحاطة بكل شيء.

السابقالتالي
2 3