الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

ولما أثبت بقوله { وليزيدن } أنهم كانوا كفرة قبل إتيان هذا الرسول عليه السلام، وكرر ما أعده لهم من الخزي الدائم على نحو ما أخبرهم به كتابهم، وعظهم ورجّاهم سبحانه استعطافاً لهم لئلا ييأسوا من روح الله على عادة منه في رحمته لعباده ورأفته بهم بقوله تعالى عاطفاً على ما تقديره: فلو أنهم كفوا عن هذه الجرائم العظائم لاضمحلت صغائرهم فلم تكن لهم سيئات: { ولو أن } ولما كان الضلال من العالم أقبح، قال: { أهل الكتاب } أي الفريقين منهم.

ولما كان الإيمان أساس جميع الأعمال، قدمه إعلاماً بأنه لا نجاة لأحد إلا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم. هذا مع أنه حقيق باشتداد العناية بهم لمبالغتهم في كتمان ما عندهم منه صلى الله عليه وسلم فقال: { آمنوا } أي بهذا النبي الكريم وما أنزل إليه من هذا الهدى { واتقوا } أي ما هددوا به في كتابهم على ترك الإيمان به على حسب ما دعاهم إليه كتابهم كما في قصة إسماعيل وغيرها إلى أن كان آخر ما فارقهم عليه موسى عليه السلام في آخر كتابهم التصريح بنبوته عليه السلام والإشارة إلى أن اتباعه أحق من اتباعه فقا: جاء ربنا من سيناء؛ وشرق من ساعير، وتبدّى من جبال فاران، فأضاف الرب إليهم، وجعل الإتيان من جبال فاران - التي هي مكة، لا نزاع لهم في ذلك - تبدياً وظهوراً أي لاخفاء به بوجه، ولا ظهور أتم منه { لكفّرنا } وأشار إلى عظيم جرأتهم بمظهر العظمة { عنهم سيئاتهم } أي التي ارتكبوها قبل مجيئه وهي مما يسوء، أي يشتد تنكر النفس له أو تكرّهها، وأشار إلى سعة رحمته وأنها لا تضيق عن شيء أراده بمظهر العظمة فقال: { ولأدخلناهم } أي بعد الموت { جنات النعيم * } أي بدل ما هم فيه من هذا الشقاء الذي لا يدانيه شقاء.

ولما كان المعنى: ما فعلوا ذلك، فألزمناهم الخزي في الدنيا والعذاب الدائم في الآخرة، وكان هذا إجمالاً لحالتهم الدنيوية والأخروية، وكان محط نظرهم الأمر الدنيوي، رجع - بعد إرشادهم إلى إصلاح الحالة الأخروية لأنها أهم في نفسها - إلى سبب قولهم تلك الكلمة الشنعاء والداهية القبيحة الصلعاء، وهو تقتير الرزق عليهم، وبين أن السبب إنما هو من أنفسهم فقال: { ولو أنهم أقاموا التوراة } أي قبل إنزال الإنجيل بالعمل بجميع ما دعت إليه من أصل وفرع وثبات عليها وانتقال عنها { والإنجيل } أي بعد إنزاله كذلك، وفي إقامته إقامة التوراة الداعية إليه { وما أنزل إليهم من ربهم } أي المحسن إليهم من أسفار الأنبياء المبشرة بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ومن القرآن بعد إنزاله، وفي إقامته إقامة جميع ذلك، لأنه مبشر به وداع إليه { لأكلوا } أي لتيسر لهم الرزق، وعبّر بـ " من " لأن المراد بيان جهة المأكول لا الأكل { من فوقهم }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8