الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

ولما كان ختام هذه الآيات في ترهيب المعرض عن الحكم بما أنزل الله مطابقاً لقوله في أول سياق المحاربة { ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون } رجع إلى القتل مبيناً أنهم بدلوا في القتل كما بدلوا في الزنا، ففضلوا بني النضير على بني قريظة، فقال: { وكتبنا } أي بما لنا من العظمة { عليهم فيها } أي في التوراة، عطفاً على قوله { كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس } ، وإذا أنعمت النظر وجدت ما بينهما لشدة اتصاله وقوة الداعية إليه كأنه اعتراض { أن النفس } أي مقتولة قصاصاً مثلاً بمثل { بالنفس } أي بقتل النفس بغير وجه مما تقدم { والعين } أي تقلع { بالعين } أي قلعت بغير شبهة { والأنف } يجدع { بالأنف } كذلك { والأذن } تصلم { بالأذن } على ما تقدم { والسن } تقلع { بالسن } إذا قلعت عمداً بغير حق { والجروح } أي التي تنضبط كلها { قصاص } مثلاً بمثل سواء بسواء.

ولما أوجب سبحانه هذا، رخص لهم في النزول عنه، فسبب عن ذلك قوله: { فمن تصدق به } أي عفا عن القصاص ممن يستحقه سواء كان هو المجروح إن كان باقياً أو وارثه إن كان هالكاً { فهو } أي التصدق بالقصاص { كفارة له } أي ستارة لذنوب هذا العافي ولم يجعل لهم دية، إنما هو القصاص أو العفو، فمن حكم بما أنزل الله على وجه الاستمرار { بما أنزل الله } أي الذي لا كفوء له فلا أمر لأحد معه لخوف أو رجاء، أو تديناً بالإعراض عنه سواء حكم بغيره أو لا { فأولئك } أي البعداء عن طريق الاستقامة، البغضاء إلى أهل الكرامة { هم الظالمون * } أي الذي تركوا العدل فضّلوا، فصاروا كمن يمشي في الظلام، فإن كانا تديناً بالترك كان نهاية الظلم وهو الكفر، وإلا في الزنا نحو ما تقدم ثم قال: وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن الآيات من المائدة التي قال الله فيهافاحكم بينهم أو أعرض عنهم } [المائدة: 42] إلى: { المقسطين } إنما نزلت في الدية بين بني النضير وبني قريظة, وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف - يؤدون الدية الكاملة, وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء " قال ابن إسحاق: فالله أعلم أيّ ذلك كان! وأخرجه النسائي في سننه من طريق ابن إسحاق، وروي من طريق آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، قال: كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، وكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قُتِل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7