الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

ولما كان هذا السياق محركاً للنفس إلى معرفة جوابهم عنه، أورده على تقدير سؤال من كأنه قال: إن هذا لترغيب مشوق وترهيب مقلق، فما قالوا في جوابه؟ فقال: { قالوا } معرضين عن ذلك كله بهمم سافلة وأحوال نازلة، مخاطبين له باسمه جفاء وجلافة وقلة أدب { يا موسى } وأكدوا قولهم تأكيد من هو محيط العلم، فقالوا مخاطبين بجرأة وقلة حياء لأعلم أهل زمانه: { إن فيها } أي دون غيرها { قوماً جبارين } أي عتاة قاهرين لغيرهم مكرهين له على ما يريدون { وإنا لن ندخلها } خوفاً منهم { حتى يخرجوا منها } ثم صرحوا بالإتيان بالجملة الاسمية المؤكدة بتهالكهم على الدخول وأنه لا مانع لهم إلا الجبن فقالوا: { فإن يخرجوا منها } أي بأي وجه كان، وعبروا بأداة الشك مع إعلام الله لهم بإهلاكهم على أيديهم جلافة منهم وعراقة طبع في التكذيب { فإنا داخلون * } فكأنه قيل: إن هذه لسقطة ما مثلها، فما اتفق لهم بعدها؟ فقيل: { قال رجلان } وأشار إلى كونهما من بني إسرائيل بقوله ذماً لمن تقاعس عن الأمر منهم: { من الذين يخافون } أي يوجد منهم الخوف من الجبارين، ومع ذلك فلم يخافا وثوقاً منهما بوعد الله، ولما كان بنو إسرائيل أهلاً لأن يخافهم من يقصدونهم بالحرب لأن الله معهم بعونه ونصره، قرىء: يخافون - مبيناً للمفعول { أنعم الله } أي بما له من صفات الكمال { عليهما } أي بالثبيت على العمل بحق النقابة، وهما يوشع بن نون وكالاب بن يوفنا - كما أنعم عليكم أيها العرب وخصوصاً النقباء بالثبات في كل موطن { ادخلوا عليهم الباب } أي باب قريتهم امتثالاً لأمر الله وإيقاناً بوعده.

ولما كانا يعلمان أنه لا بد من دخولهم عليهم وإن تقاعسوا وإن طال المدى، لأن الله وعد بنصرهم عليهم ووعده حق, عبرا بأداة التحقيق خلاف ما مضى لجماهيرهم فقالا: { فإذا دخلتموه } ثم أكد خبرهما إيقاناً بوعد الله فقالا: { فإنكم غالبون } أي لأن الملك معكم دونهم { وعلى الله } أي الملك الأعظم الذي وعدكم بإرثها وحده { فتوكلوا } أي لا على عُدة منكم ولا عِدة ولا حول ولا قوة.

ولما كان الإخلاص يلزمه التوكل وعدم الخوف من غير الله، ألهمهم بقوله؛ { إن كنتم } أي جبلة وطبعاً { مؤمنين * } أي عريقين في الإيمان بنبيكم صلى الله عليه وسلم والتصديق بجميع ما أتى به، فكأنه قيل: لقد نصحا لهم وبرّا، واجتهدا في إصلاح الدين والدنيا فما خدعا ولا غرّا، فما قالوا؟ فقيل: لم يزدهم ذلك إلا نفاراً واستضعافاً لأنفسهم لإعراضهم عن الله واستصغاراً لأنهم { قالوا } معرضين عمن خاطباهم غيرعادين لهما { يا موسى } وأكدوا نفيهم للإقدام عليهم بقولهم: { إنا } وعظموا تأكيدهم بقولهم: { لن ندخلها } وزادوه تأكيداً بقولهم: { أبداً } وقيدوا ذلك بقولهم: { ما داموا } أي الجبابرة { فيها } أي لهم اليد عليها، ثم اتبعوه بما يدل على أنهم في غاية الجهل بالله الفعال لما يريد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد