الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

ولما ذكر التحبيب والتزيين والتكريه وما أنتجه من الرشاد، ذكر علته إعلاماً بأنه تعالى لا يحب عليه شيء حثاً على الشكر فقال: { فضلاً } أي زيادة وتطولاً وامتناناً عظيماً جسيماً ودرجة عالية من الله الملك الأعظم الذي بيده كل شيء { ونعمة } أي وعيشاً حسناً ناعماً وخفضاً ودعة وكرامة.

ولما كان التقدير: فالله منعم بفضل، بيده كل ضر ونفع، عطف عليه قوله: { والله } أي المحيط بصفات الكمال { عليم } أي محيط العلم، فهو يعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل { حكيم * } بالغ الحكمة، فهو يضع الأشياء في أوفق محالها وأتقنها، فلذلك وضع نعمته من الرسالة والإيمان على حسب علمه وحكمته.

ولما كانت النميمة ونقل الأخبار الباطلة الذميمة ربما جرت فتناً وأوصلت إلى القتال، وكان العليم الحكيم لا ينصب سبباً إلا ذكر مسببه وأشار إلى دوائه، وكان لا ينهى عن الشيء إلا من كان متهيئاً له لما في جبلته من الداعي إليه، فكان قد يواقعه ولو في وقت، قال تعالى معلماً لنا طريق الحكمة في دفع ما جرت إليه الأخبار الباطلة من القتال، معبراً بأداة الشك إشارة إلى أن ما في حيزها لا ينبغي أن يقع بينهم، ولا أن يذكروه إلا على سبيل الفرض: { وإن طائفتان } أي جماعتان بالفعل أو القوة جدير كل جماعة منهما بأن يجتمع على ما دهمها من الأمير بحيث تصير من شدة مراعاته كالطائفة حوله والمتحلقة به، بحيث لا يدرى من شدة اجتماعها على ذلك أولها من آخرها { من المؤمنين } أي ممن هو معدود في عداد العريقين في الإيمان سواء كان هو عريقاً أو فاعلاً ما يطلق عليه به الاسم فقط.

ولما كانت الشناعة والفساد في قتال الجماعة أكثر، عبر بضمير الجمع دون التثنية تصويراً لذلك بأقبح صورة فقال: { اقتتلوا } أي فاختلطوا بسبب القتال حتى كانوا كالفرقة الواحدة { فأصلحوا } أي فأوقعوا الإصلاح ليحصل الصلح. ولما كانت العبرة في الصلح إذا وقع بين الطائفتين ما يسكن به الشر وإن تخلف شذان من الجانبين لا يعبأ بهم، عبر بالتثنية دون الجمع فقال: { بينهما } أي بالوعظ والإرشاد الدنيوي والأخروي، ولا تظنوا أن الباغي غير مؤمن فتتجاوزوا فيه أمر الله.

ولما كان البغي من أشنع الأمور فكان ينبغي أن لم يلم به أحد، عبر بأداة الشك إرشاداً إلى ذلك فقال: { فإن بغت } أي أوقعت الإرادة السيئة الكائنة من النفوس التي لا تأمر بخير { إحداهما } أي الطائفتين { على الأخرى } فلم ترجع إلى حكم الله الذي خرجت عنه ولم تقبل الحق. ولما كان الإضمار هنا ربما أوهم لبساً فتمسك به متعنت في أمر فساد، أزال بالإظهار كل لبس فقال: { فقاتلوا } أي أوجدوا واطلبوا مقاتلة { التي }.

السابقالتالي
2 3 4