الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }

ولما دل على الفتح بالنصر وما معه، وعلل الدين بالسكينة، علل علة الدليل وهي { ليزدادوا إيماناً } وعلل ما دل عليه ملك الجنود من تدبيرهم وتدبير الأكوان بهم بقوله تعالى زيادة في السكينة: { ليدخل } أي بما أوقع في السكينة { المؤمنين والمؤمنات } الذين جبلهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين، ولو سلط على الكفار جنوده من أول الأمر فأهلكوهم أو دمر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية { جنات } أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك { تجري } ودل وقرب وبعض بقوله: { من تحتها الأنهار } فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك، لأن الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها. ولما كان الماء لا يطيب إلا بالقرار تعالى: { خالدين فيها } أي لا إلى آخر.

ولما كان السامع لهذا ربما ظن أن فعله ذلك باستحقاق، قال إشارة إلى أنه لا سبب إلا رحمته: { ويكفر } أي يستر ستراً بليغاً شاملاً { عنهم سيئاتهم } التي ليس من الحكمة دخول الجنة دار القدس قبل تكفيرها، بسبب ما كانوا متلبسين به منها من الكفر وغيره، فكان ذلك التكفير سبباً لدخولهم الجنة { وكان ذلك } أي الأمر العظيم من الإدخال والتكفير المهيىء له، وقدم الظرف تعظيماً لها فقال تعالى: { عند الله } أي الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام { فوزاً عظيماً * } يملأ جميع الجهات.

ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدو وكان العدو المكاتم أشد من العدو المجاهر المراغم قال تعالى: { ويعذب المنافقين } أي يزيل كل ما لهم من العذوبة { والمنافقات } بما غاظهم من ازدياد الإيمان { والمشركين والمشركات } بصدهم الذي كان سبباً للمقام الدحض الذي كان سبباً لإنزال السكينة الذي كان سبباً لقوة أهل الإسلام بما تأثر عنه من كثرة الداخلين فيه، الذي كان سبباً لتدمير أهل الكفران، ثم بعد ذلك عذاب النيران.

ولما أخبر بعذابهم، أتبعه وصفهم بما سبب لهم ذلك فقال تعالى: { الظانين بالله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { ظن السوء } من أنه لا يفي بوعده في أنه ينصره رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين أو أنه لا يبعثهم. أو أنه لا يعذبهم لمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومشاققة أتباعه. ولما أخبر سبحانه وتعالى بعذابهم فسره بقوله: { عليهم } أي في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم { دائرة السوء } التي دبروها وقدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها، فهم مخذولون في كل موطن خذلاناً ظاهراً يدركه كل أحد، وباطناً يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة، والسوء - بالفتح والضم: ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في أن يضاف إلى ما يراد ذمه، والمضموم جار مجرى الشر الذي هو ضد الخير - قاله في الكشاف.

السابقالتالي
2