الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ }

ولما تحرر أن الكفار أحق الخلق بالعدم لأن الباطل مثلهم وحقيقة حالهم، سبب عنه قوله: { فإذا لقيتم } أي أيها المؤمنون { الذين كفروا } ولو بأدنى أنواع الكفر في أيّ مكان كان وأيّ زمان اتفق. ولما كان المراد القتل المجهر بغاية التحقق، عبر عنه مؤكداً له من الاختصار بذكر المصدر الدال على الفعل مصوراً له بأشنع صوره مع ما فيه من الغلظة على الكفار والاستهانة بهم فقال تعالى: { فضرب الرقاب } أي عقبوا لقيكم لهم من غير مهلة بأن تضربوا رقابهم ضرباً بالصدق في الضرب بما يزهق أرواحهم، فإن ذلك انتهاز للفرصة وعمل بالأحوط، وكذلك النفس التي هي أعدى العدو إذا ظفرت بها وجب عليك أن لا تدع لها بقية، قال القشيري: فالحية إذا بقيت منها بقية فوضعت عليها إصبع ثبت فيها سمها.

ولما كان التقدير: ولا يزال ذلك فعلكم، غياه بقوله: { حتى } وبشرهم بالتعبير بأداة التحقق فقال تعالى: { إذا أثخنتموهم } أي أغلظتم القتل فيهم وأكثرتموه بحيث صاروا لا حراك بهم كالذي ثخن فأفرط ثخنه؛ فجعل ذلك شرطاً للأسر كما قال تعالىوما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } [الأنفال: 67] ثم قال تعالى مبيناً لما بعد الثخن: { فشدوا } أي لأنه لا مانع لكم الآن من الأسر { الوثاق } أي الرباط الذي يستوثق به من الأسر بالربط على أيديهم مجموعة إلى أعناقهم - مجاز عن الأسر بغاية الاستيلاء والقهر.

ولما كان الإمام مخيراً في أسراهم بين أربعة أشياء: القتل والإطلاق مجاناً والإطلاق بالفدية وهي شيء يأخذه عوضاً عن رقابهم والاسترقاق، عبر عن ذلك بقوله مفصلاً: { فإما منّاً } أي أن ينعموا عليهم إنعاماً { بعد } أي في جميع أزمان ما بعد الأسر باستبقائهم ثم بعد الإنعام باستبقائهم إما أن يكون ذلك مع الاسترقاق أو مع الإطلاق ثم الإطلاق إما مجاناً { وإما فداء } بمال أو بأسرى من المسلمين ونحو ذلك، فأفهم التعبير بالمن الذي معناه الإنعام أن الإبقاء غير واجب بكل جائز، ودخل في الإبقاء ثلاث صور: الاسترقاق والإطلاق مجاناً وبالفداء فصرح سبحانه وتعالى بالفداء الذي معناه الأخذ على وجه أن قسيم للمن، فعلم أن المراد به الإبقاء مع عدم الأخذ فدخل فيه الإطلاق مجاناً وهو واضح والاسترقاق لأنه إنعام بالنسبة إلى القتل، وأفهم التعبير بالمن الذي معناه الإنعام من المنان الذي هو اسمه تعالى ومعناه المعطي ابتداء جواز القتل لأن الإنعام مخير فيه لا واجب لأنه لو كان واجباً كان حقاً لا نعمة، فقد دخلت السور الأربع في التعبير بهاتين الكلمتين - والله الهادي، وكل هذا على ما يراه الإمام أو نائبه مصلحة، قال القشيري: كذلك حال المجاهدة مع النفس إذا كان في إغفاء ساعة وإفطار يوم ترويح للنفس من الكد وقوة على الجهد فيما يستقبل من الأمر على ما يحصل به الاستصواب من شيخ المريد وفتوى لسان الوقت أو فراسة صاحب المجاهدة - انتهى.

السابقالتالي
2 3