الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }

ولما كان ذلك من شأن اليوم مهولاً، عم في الهول بقوله مصوراً لحاله: { وترى } أي في ذلك اليوم { كل أمة } من الأمم الخاسرة فيها والفائزة { جاثية } أي مجتمعة لا يخلطها غيرها، وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به، جلسة المخاصم بين يدي الحاكم، ينتظروا القضاء الحاتم، والأمر الجازم اللازم، لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم. ولما كان كأن قيل: هم مستوفزون، قال: { كل أمة } أي من الجاثين { تدعى إلى كتابها } أي الذي أنزل إليها وتعبدها الله به والذي نسخته الحفظة من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا، ومن خاله هلك، ويقال لهم حال الدعاء: { اليوم تجزون } على وفق الحكمة بأيسر أمر { ما } أي عين الذي { كنتم } بما هو لكم كالجبلات { تعملون * } أي مصرين عليه غير راجعين عنه من خير أو شر.

ولما أخبر بالجزاء، بين كيفية ما به يطبق بين كتاب الإنزال وكتاب الأعمال، فما حكم به كتاب الإنزال أنفذه الكبير المتعال، فقال مشيراً إلى كتاب الإنزال بأداة القريب لقربه وسهولة فهمه: { هذا كتابنا } أي الذي أنزلناه على ألسنة رسلنا { ينطق } أي يشهد شهادة هي في بيانها كالنطق { عليكم بالحق } أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع من أعمالكم، ذلك بأن يقول: من عمل كذا فهو كافر، ومن عمل كذا فهو عاص، ومن عمل كذا فهو مطيع، فيطبق ذلك على ما عملتموه فإذا الذي أخبر به الكتاب مطابق لأعمالكم لا زيادة فيه ولا نقص، كل كلي ينطبق على جزئيه سواء بسواء كما نعطيكم علم ذلك في ذلك اليوم، فينكشف أمر جبلاتكم وما وقع منكم من جزئيات الأفعال لا يشذ عنه منه ذرة، وتعلمون أن هذا الواقع منكم مطابق لما أخبر به الكتاب الذي أنزلناه، فهو حق لأن الواقع طابقه، هذا نطقه عليكم، وأما نطقه لكم فالفضل: الحسنة بعشر أمثالها إلى ما فوق ذلك.

ولما كانت العادة جارية في الدنيا بإقامة الحقوق بكتابة الوثائق، وكانوا كأنهم يقولون: من يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة وبعد الزمان، وكانوا ينكرون أمر الحفظة وغيره مما أتت به الرسل، أكد قوله مجيباً بما يقرب إلى عقل من يسأل عن ذلك: { إنا } على ما لنا من القدرة والعظمة الغنية عن الكتابة { كنا } على الدوام { نستنسخ } أي نأمر ملائكتنا بنسخ أي نقل { ما كنتم } طبعاً لكم وخلقاً { تعملون * } قولاً وفعلاً ونية، فإن كان المراد بالنسخ مطلق النقل فهو واضح، وإن كان النقل من أصل فهو إشارة إلى لوح الجبلات المشار إليه بكنتم أو من اللوح المحفوظ ليطابق به ما يفعله العامل، ومن المشهور بين الناس أن كل أحد يسطر في جبينه ما يلقاه من خير أو شر.

السابقالتالي
2 3