الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ }

ولما كان التقدير للدلالة على الختم على مشاعرهم، فقد قالوا مع اعترافهم بتفرده تعالى بخلقهم ورزقهم وخلق جميع الموجدات في إنكار الوحدانية: إن له شركاء، عطف عليه قوله: { وقالوا } أي في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه قادر على كل شيء ومعرفتهم أنه قد وعد بذلك في الأساليب المعجزة وأنه لا يليق بحكيم أصلاً أن يدع من تحت يده يتهارجون من غير حكم بينهم: { ما هي } أي الحياة { إلا حياتنا } أي أيها الناس { الدنيا } أي هذه التي نحن فيها مع أن تذكر مدلول هذا الوصف الذي هو أمر نسي لا يعقل إلا بالإضافة إلى حياة أخرى بُعدى كافٍ في إثبات البعث.

ولما أثبتوا بادعائهم الباطل هذه الحياة أتبعوها حالها فقالوا: { نموت ونحيا } أي تنزع الروح من بعض فيموت، وتنفخ في بعض آخر فيحيى، وليس وراء الموت حياة أخرى للذي مات، فقد أسلخوا أنفسهم بهذا القول من الإنسانية إلى البهيمية لوقوفهم مع الجزئيات، ولما كان هلاكهم في زعمهم لا آخر له، عدوا الحياة في جنبه عدماً فلم يذكروها وقالوا بجهلهم: { وما يهلكنا } أي بعد هذه الحياة { إلا الدهر } أي الزمان الطويل بغلبته علينا بتجدد إقباله وتجدد إدبارنا بنزول الأمور المكروهة بنا، من دهره - إذا غلبة. ولما أسند إليهم هذا القول الواهي، بين حالهم عند قوله فقال تعالى: { وما } أي قالوه والحال أنه ما { لهم بذلك } أي القول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه، وأن الهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه، وأعرق في النفي فقال: { من علم } أي كثير ولا قليل { إن } أي ما { هم إلا يظنون * } بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف، وأنه لم يرجع أحد من الموتى.

ولما كان هذا من قولهم عجباً، زاده عجباً بحالهم عند سماعهم للبراهين القطعية، فقال عاطفاً على " قالوا ": { وإذا تتلى } أي تتابع بالقراءة من أيّ تال كان { عليهم آياتنا } أي على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها { بينات } أي في غاية المكنة في الدلالة على البعث، فلا عذر لهم في ردها { ما كان } أي بوجه من وجوه الكون { حجتهم } أي قولهم الذي ساقوه مساق الحجة، وهو لا يستحق أن يسمى شبهة { إلا أن قالوا } قولاً ذميماً ولم ينظروا إلى مبدئهم { ائتوا } أيها التالون للحجج البينة من النبي - صل الله عليه وسلم - وأتباعه الذين اهتدوا بهداه { بآبائنا } الموتى، وحاصل هذا أنه ما كان لهم حجة إلا أن أتوا بكلام معناه: ليس لنا حجة لأنه ليس فيه شبهة فضلاً عن حجة، وما كفاهم مناداتهم على أنفسهم بالجهل حتى عرضوا لأهل البينات بالكذب فقالوا: { إن كنتم صادقين * } أي عريقين في الكون في أهل الصدق الراسخين فيه من أنه سبحانه وتعالى يبعث الخلق بعد موتهم، وذلك استبعاد منهم لأن يقدر على جمع الجسم بعد ما يلي، وهم يقرون بأنه الذي خلق ذلك الجسم ابتداء، ومن المعلوم قطعاً أن من قدر على إنشاء شيء من العدم قدر على إعادته بطريق الأولى.

السابقالتالي
2 3