الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }

ولما كان اليوم قد يراد به المن المجتمع في حكم من الأحكام، وكان زمان الدخان إن كان المراد به القحط الذي كان قبل يوم بدر أو ما يقرب من الساعة يسمى يوماً واحداً لاتحاد ذلك الحكم، أبدل من { يوم الدخان } قوله تهديداً بشق الأكباد: { يوم نبطش } أي بما لنا من العظمة، والبطش: الأخذ بقوة { البطشة الكبرى } أي التي تنحل لها عراهم وتنخل بها عزائمهم وقواهم ولا يحتملها حقائقهم ولا مناهم، سواء كانت البطشة يوم بدر أو غيره فيخسر هنالك من كشف حال الابتلاء عن طغيانه، وتمرده على ربه وعصيانه، ويجوز أن يكون هذا ظرفاً لعائدون. ولما كان ما له سبحانه من الحلم وطول الإمهال موجباً لأهل البلادة والغلظة الشك في وعيده، قال مؤكداً { إنا منتقمون * } أي ذلك صفة ثابتة لم نزل نفعلها بأعدائنا لنسر أضدادهم في أوليائنا.

ولما كان التقدير: لفقد فتناهم بإرسالك إليهم ليكشف ذلك لمن لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه عما نعلمه في الأزل، وفيما لا يزال ولم يزل، من بواطن أمورهم، فتقوم الحجة على من خالفنا على مقتضى عاداتكم، عطف عليه محذراً لقريش ومسلياً للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: { ولقد فتنا } أي فعلنا على ما لنا من العظمة فعل الفاتن وهو المختبر الذي يريد أن يعلم حقيقة الشيء بالإملاء والتمكين ثم الإرسال.

ولما كان من المعلوم أن قوم فرعون لم يستغرقوا الزمان ولا كانوا أقرب الناس زماناً إلى قريش، نزع الجار قبل الظرف لعدم الإلباس أو أنه عظم فتنتهم لما كان لهم من العظمة والمكمنة، فجعلها لذلك كأنها مستغرقة لجميع الزمان فقال: { قبلهم } أي قبل هؤلاء العرب ليكون ما مضى من خبرهم عبرة لهم وعظة.

ولما كان فرعون من أقوى من جاءه رسول قبلهم بما كان له من الجنود والأموال والمكنة، وكان الرسول الذي أتاه قد جمع له - صلى الله عليه وسلم - الآيات التي اشتملت على التصرف في العناصر الأربعة. فكان فيها الماء والتراب والنار والهواء، وكانوا إذا أتتهم الآية قالوا: يا أيها الساحر! ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون، فإذا كشف عنهم ذلك عادوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر تعالى عن هؤلاء عند مجيء الدخان - إلى غير ذلك مما شابهوهم فيه من الأسرار التي كشفها هذا المضمار، وكان آخر ذلك أن أهلكهم أجمعين، فكانوا أجلى مثل لقوله تعالى في التي قبلهافأهلكنا أشد منهم بطشاً } [الزخرف: 8] خصهم بالذكر من بين المفتونين قبل فقال: { قوم فرعون } أي مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا، وسيأتي التصريح به في آخر القصة { وجاءهم } أي المضافين والمضاف إليه في زيادة فتنتهم { رسول كريم } أي يعلمون شرفه نسباً وأخلاقًا وأفعالاً، ثم زاد بيان كرمه بما ظهر لله به من العناية بما أيده به من المعجزات.

السابقالتالي
2