الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

ولما أخبر بضلالهم وثباتهم عليه، أعلم بأعراقهم فيه فقال: { ودّوا } أي أحبوا وتمنوا تمنياً واسعاً { لو تكفرون } أي توجدون الكفر وتجددونه وتستمرون عليه دائماً { كما كفروا } ولما لم يكن بين ودهم لكفرهم وكونهم مساوين لهم تلازم، عطف على الفعل المودود - ولم يسبب - قوله: { فتكونون } أي وودوا أن يتسبب عن ذلك ويتعقبه أن تكونوا أنتم وهم { سواء } أي في الضلال، أي توجدون الكفر وتجددونه وتستمرون عليه دائماً، فأنتم ترجون في زمان الرفق بهم هدايتهم وهم يودون فيه كفركم وضلالكم، فقد تباعدتم في المذاهب وتباينتم في المقاصد.

ولما أخبر بهذه الودادة، سبب عنه أمرهم بالبراءة منهم حتى يصلحوا، بياناً لأن قولهم في الإيمان لا يقبل ما لم يصدقوه بفعل فقال: { فلا تتخذوا } أي أيها المؤمنون { منهم أولياء } أي أقرباء منكم { حتى يهاجروا } أي يوقعوا المهاجرة { في سبيل الله } أي يهجروا من خالفهم في ذات من لا شبه له، ويتسببوا في هجرانه لهم إن كانوا في دار الحرب فبتركها، وإن كانوا عندكم فبترك موادة الكفرة والموافقة لهم في أقوالهم وأفعالهم وإن كانوا أقرب أقربائهم، وهجرتهم في جميع ذلك بمواصلتكم في جميع أقوالكم وأفعالكم، والهجرة العامة هي ترك ما نهى الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه.

ولما نهى عن موالاتهم وغيّي النهي بالهجرة، سبب عنه قوله: { فإن تولوا } أي عن الهجرة المذكورة { فخذوهم } أي اقهروهم بالأسر وغيره { واقتلوهم حيث وجدتموهم } أي في حل أو حرم. ولما كانوا في هذه الحالة لا يوالون المؤمنين إلا تكلفاً قال: { ولا تتخذوا } أي تتكلفوا أن تأخذوا { منهم ولياً } أي من تفعلون معه فعل المقارب المصافي { ولا نصيراً } على أحد من أعدائكم، بل جانبوهم مجانبة كلية.

ولما كان سبحانه وتعالى قد أمر فيهم على تقدير توليهم بما أمر، استثنى منه فقال: { إلا الذين يصلون } فراراً منكم، وهم من الكفار عند الجمهور { إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } أي عهد وثيق بأن لا تقاتلوهم ولا تقاتلوا من لجأ إليهم أو دخل فيما دخلوا فيه, فكفوا حينئذ عن أخذهم وقتلهم { أو } الذين { جاءوكم } حال كونهم { حصرت } أي ضاقت وهابت وأحجمت { صدورهم أن } أي عن أن { يقاتلوكم } أي لأجل دينهم وقومهم { أو يقاتلوا قومهم } أي لأجلكم فراراً أن يكفوا عن قتالكم وقتال قومهم فلا تأخذوهم ولا تقاتلوهم، لأنهم كالمسالمين بترك القتال، ولعله عبر بالماضي في " جاء " إشارة إلى أن شرط مساواتهم للواصلين إلى المعاهدين عدم التكرر، فإن تكرر ذلك منهم فهم الآخرون الآتي حكمهم.

ولما كان التقدير: فلو شاء الله لجعلهم مع قومهم إلباً واحداً عليكم، عطف عليه قوله: { ولو } أي يكون المعنى: والحال أنه لو { شاء الله } أي وهو المتصف بكل كمال { لسلطهم } أي هؤلاء الواصلين والجائين على تلك الحال من الكفار { عليكم } ينوع من أنواع التسليط، تسليطاًَ جارياً على الأسباب ومقتضى العوائد، لأن بهم قوة على قتالكم { فلقاتلوكم } أي فتسبب عن هذا التسليط أنهم قاتولكم منفردين أو مع غيرهم من أعدائكم، واللام فيه جواب " لو " على التكرير، أو البدل من سلط.

السابقالتالي
2 3 4