الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }

ولما كان في ذلك إشارة إلى أن المرادين بهذه الآيات من أهل الكتاب أضل الناس، وكانوا يقولون: إنهم أهدى الناس؛ عجب منهم منكراً عليهم بعد افترائهم تزكية أنفسهم فقال: { ألم تر } وأبعدهم بقوله: { إلى الذين يزكون أنفسهم } أي بما ليس لهم من قولهملن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } [البقرة: 80] وقولهملن يدخل الجنة لا من كان هوداً أو نصارى } [البقرة: 111] وقوله:ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } [آل عمران: 188]ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } [النساء: 27] فإن إبعاد غيرهم في الميل مصحح لتزكيتهم أنفسهم بالباطل ونحو ذلك مما تقدم وغيره.

ولما كان معنى الإنكار: ليس لهم ذلك لأنهم كذبوا فيه وظلموا، أشار إليه بقوله: { بل الله } أي الذي له صفات الكمال { يزكي من يشاء } أي بما له من العلم التام والقدرة الشاملة والحكمة البالغة والعدل السوي بالثناء عليه وبخلق معاني الخير الظاهرة فيه لتنشأ عنها الأعمال الصالحة، فإذا زكي أحداً من أصفيائه بشيء كالنبوة، كان له أن يزكي نفسه بذلك حملاً على ما ينفع الناس به عن الله { ولا } أي والحال أن الذين يزكيهم أو يدسيهم لا { يظلمون فتيلاً * } أي مقدار ما في شق النواة من ذلك الشيء المفتول، أي قليلاً ولا كثيراً، لأنه عالم بما يستحقون وهو الحكم العدل الغني عن الظلم، لأن له صفات الكمال.

ولما أخبر تعالى أن التزكية إنما هي إليه بما له من العظمة والعلم الشامل، وكان ذلك أمراً لا نزاع فيه، وشهد عليهم بالضلال، وثبت أن ذلك كلامه بما له من الإعجاز في حالتي الإطناب والإيجاز؛ ثبت كذبهم فزاد في توبيخهم فقال - معجباً لرسوله صلى الله عليه وسلم من وقاحتهم واجترائهم على من يعلم كذبهم، ويقدر على معالجتهم بالعذاب، مبيناً أنه صلى الله عليه وسلم في الحضرة بعد بيان بعدهم -: { انظر كيف يفترون } أي يتعمدون { على الله } أي الذي لا يخفي عليه شيء ولا يعجزه شيء { الكذب } أي من غير خوف منهم لذلك عاقبة { وكفى } أي والحال أنه كفي { به } أي بهذا الكذب { إثماً مبيناً * } أي واضحاً في نفسه ومنادياً عليها بالبطلان.

ولما عجب من كذبهم دلَّ عليه بقوله: { ألم تر } وكان الأصل: إليهم، ولكنه قال - لزيادة التقريع والتوبيخ والإعلام بأن كفرهم عناد لكونه عن علم -: { إلى الذين } وعبر بإلى دلالة على بعدهم عن الحضرات الشريفة { أوتوا نصيباً من الكتاب } أي الذي هو الكتاب في الحقيقة لكونه من الله { يؤمنون بالجبت } وهو الصنم والكاهن والساحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله { والطاغوت } وهو اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله؛ وكل هذه المعاني تصح إرادتها هنا، وهي مما نهي عنه في كتابهم - وأصله ومداره مجاوزة الحد عدواناً، وهو واحد وقد يكون جمعاً، قال سبحانه وتعالى

السابقالتالي
2 3