الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

ولما فرغ من توبيخهم قال معللاً: { إن الله } أي الذي له كل كمال، فهو الغني المطلق { لا يظلم } أي لا يتصور أن يقع منه ظلم ما { مثقال ذرة } أي فما دونها، وإنما ذكرها لأنها كناية عن العدم، لأنها مثل في الصغر، أي فلا ينقص أحداً شيئاً مما عمله، ولا يثيب عليه شيئاً لم يعمله، فماذا على من آمن به وهو بهذه الصفة العظمى.

ولما ذكر التخلي من الظلم، أتبعه التحلي بالفضل فقال عاطفاً على ما تقديره: فإن تك الذرة سيئة لم يزد عليها، ولا يجزي بها إلا مثلها: { وإن } ولما كان تشوف السامع إلى ذلك عظيماً، حذف منه النون بعد حذف المعطوف عليه تقريباً لمرامه فقال: { تك } أي مثقال الذرة، وأنثه لإضافته إلى مؤنث، وتحقيراً له، ليفهم تضعيف ما فوقه من باب الأولى، وهذا يطرد في قراءة الحرميين برفع { حسنة } أي وإن صغرت { يضاعفها } أي من جنسها بعشرة أمثالها إلى سبعين إلى سبعمائة ضعف إلى أزيد من ذلك بحسب ما يعلم من حسن العمل بحسن النية { ويؤت من لدنه } أي من غريب ما عنده فضلاً من غير عمل لمن يريد. قال الإمام: وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية، وهذا الأجر إلى السعادات الروحانية { أجراً عظيماً * } وسماه أجراً - وهو من غير جنس تلك الحسنة - لابتنائه على الإيمان، أي فمن كان هذا شأنه لا يسوغ لعاقل توجيه الهمة إلا إليه، ولا الاعتماد أصلاً بإنفاق وغيره إلا عليه.

ولما تم تحذيره من اليوم الآخر وما ذكره من إظهار العدل واستقصائه فيه كان سبباً للسؤال عن حال المبكتين في هذه الآيات إذ ذاك، فقال: { فكيف } أي يكون حالهم وقد حملوا أمثال الجبال من مساوي الأعمال! { إذا جئنا } على عظمتنا { من كل أمة بشهيد } أي يشهد عليهم { وجئنا بك } وأنت أشرف خلقنا { على هؤلاء } أي الذين أرسلناك إليهم وجعلناك شهيداً عليهم { شهيداً * } وفي التفسير من البخاري عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأ عليّ " قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال " إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } قال " أمسك " فإذا عيناه تذرفان " ثم استأنف الجواب عن ذلك بقوله: { يومئذ } أي تقوم الإشهاد { يود الذين كفروا } أي ستروا ما تهدي إليه العقول من آياته, وبين أنهم مخاطبون بالفروع في قوله: { وعصوا الرسول } بعد ستر ما أظهر من بيناته { لو تسوى بهم الأرض } أي تكون مستوية معتدلة بهم، ولا تكون كذلك إلا وقد غيبتهم واستوت بهم، ولم يبق فيها شيء من عوج ولا نتوّ بسبب أحد منهم ولا شيء من أجسامهم؛ وإنما ودوا ذلك خوفاً مما يستقبلهم من الفضيحة بعتابهم ثم الإهانة بعقابهم.

السابقالتالي
2 3