الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

ولما ذكر أمر النساء أتبعه حكم الرجال على وجه يعم النساء أيضاً فقال: { والّذان } وهو تثنية " الذي " وشدد نونه ابن كثير تقوية له ليقرب من الأسماء المتمكنة { يأتيانها منكم } أي من بكر أو ثيب، أو رجل أو امرأة، ويثبت ذلك بشهادة الأربعة - كما تقدم { فآذوهما } وقد بين مجمل الأذى الصادق باللسان وغيره آية الجلد وسنة الرجم { فإن تابا } أي بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود { وأصحا } أي بالاستمرار على ما عزما عليه، ومضت مدة علم فيها الصدق في ذلك { فأعرضوا عنهما } أي عن أذاهما، وهو يدل على أن الأذى باللسان يستمر حتى يحصل الاستبراء، ثم علل ذلك بقوله: { إن الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { كان تواباً } أي رجاعاً بمن رجع عن عصيانه إلى ما كان فيه من المنزلة { رحيماً * } أي يخص من يشاء من عباده بالتوفيق لما يرضاه له، فتخلقوا بفعله سبحانه وارحموا المذنبين إذا تابوا، ولا يكن أذاكم لهم إلا لله ليرجعوا، وليكن أكثر كلامكم لهم الوعظ بما يقبل بقلوبهم إلى ما ترضاه الإلهية، ويؤيده أن المراد بهذا البكر والثيب من الرجال والنساء تفسير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه مسلم والأربعة والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه " قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " فالحديث مبين لما أجمل في الآية من ذكر السبيل.

ولما ختم ذلك بذكر توبة الزناة، وكان الحامل على الزنى - على ما يقتضيه الطبع البشري - شدة الشبق وقلة النظر في العواقب، وكان ذلك إنما هو في الشباب؛ وصل بذلك قوله تعالى معرفاً بوقت التوبة وشرطها مرغباً في تعجيلها مرهباً من تأخيرها: { إنما التوبة } وهي رجوع العبد عن المعصية اعتذاراً إلى الله تعالى، والمراد هنا قبولها، سماه باسمها لأنها بدون القبول لا نفع لها، فكأنه لا حقيقة لها.

ولما شبه قبوله لها بالواجب من حيث إنه بها، لأنه لا يبدل القول لديه؛ عبر بحرف الاستعلاء المؤذن بالوجوب حثاً عليها وترغيباً فيها فقال: { على الله } أي الجامع بصفات الكمال { للذين يعملون السوء } أيَّ سوء كان من فسق أو كفر، وقال: { بجهالة } إشارة إلى شدة قبح العصيان، لا سيما الزنى من المشايخ، لإشعار السياق ترهيباً بأن الأمر فيهم ليس كذلك - كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار بإسناد جيد عن سلمان رضي الله عنه " ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهو " وهو في مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه

السابقالتالي
2