الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

ولما كان ذلك من أحسن المواعظ لقوم طعمة الذين اعتصبوا له، التفت إليهم مستعطفاً بصيغة الإيمان، جائياً بصيغة الأمر على وجه يعم غيرهم، قائلاً ما هو كالنتيجة لما مضى من الأمر بالقسط من أول السورة إلى هنا على وجه أكده وحث عليه: { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان بألسنتهم { كونوا قوَّامين } أي قائمين قياماً بليغاً مواظباً عليه مجتهداً فيه.

ولما كان أعظم مباني هذه السورة العدل قدمه فقال: { بالقسط } بخلاف ما يأتي في المائدة فإن النظر فيها إلى الوفاء الذي إنما يكون بالنظر إلى الموفى له { شهداء } أي حاضرين متيقظين حضور المحاسب لكل شيء أردتم الدخول فيه { لله } أي لوجه الذي كل شيء بيده لا لشيء غيره { ولو } كان ذلك القسط { على أنفسكم } أي فإني لا أزيدكم بذلك إلا عزاء، وإلا تفعلوا ذلك قهرتكم على الشهادة على أنفسكم على رؤوس الأشهاد، ففضحتم في يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون من جميع العباد.

ولما كان ذكر أعز ما عند الإنسان أتبعه ما يليه وبدأ منه بمن جمع إلى ذلك الهيبة فقال: { أو } أي أو كان ذلك القسط على { الوالدين } وأتبعه ما يعمهما وغيرها فقال: { والأقربين } أي من الأولاد وغيرهم، ثم علل ذلك بقوله: { إن يكن } أي المشهود له أو عليه { غنياً } أي ترون الشهادة له بشيء باطل دافعة ضراً منه للغير من المشهود عليه أو غيره، أو مانعة فساداً أكبر منها، أو عليه بما لم يكن صلاحاً طمعاً في نفع الفقير بما لا يضره ونحو ذلك { أو فقيراً } فيخيل إليكم أن الشهادة له بما ليس له نفعه رحمة له أو بما ليس عليه لمن هو أقوى منه تسكن فتنة { فالله } أي ذو الجلال والإكرام { أولى بهما } أي بنوعي الغني والفقير المندرج فيهما هذان المشهود بسببهما منكم، فهو المرجو لجلب النفع ودفع الضر بغير ما ظننتموه، فالضمير من الاستخدام، ولو عاد للمذكور لوحد الضمير لأن المحدث عنه واحد مبهم.

ولما كان هذا، تسبب عنه قوله: { فلا تتبعوا } أي تتكلفوا تبع { الهوى } وتنهمكوا فيه انهماك المجتهد في المحب له { أن } أي إرادة أن { تعدلوا } فقد بان لكم أنه لا عدل في ذلك.

ولما كان التقدير: فإن تتبعوه لذلك أو لغيره فإن الله كان عليكم قديراً، عطف عليه قوله: { وإن تلوا } أي ألسنتكم لتحرفوا الشهادة نوعاً من التحريف أو تديروا ألسنتكم أي تنطقوا بالشهادة باطلاً، وقرأ ابن عامر وحمزة بضم اللام - من الولاية أي تؤدوا الشهادة على وجه من العدل، أو الليّ { أو تعرضوا } أي عنها وهي حق فلا تؤدوها لأمر ما { فإن الله } أي المحيط علماً وقدرة { كان } أي لم يزل ولا يزال { بما تعملون خبيراً * } أي بالغ العلم باطناً وظاهراً، فهو يجازيكم على ذلك بما تستحقونه، فاحذروه إن خنتم، وارجوه إن وفيتم، وذلك بعد ما مضى من تأديبهم على وجه الإشارة والإيماء من غير أمر، وما أنسبها لختام التي قبلها وأشد التئام الختامين: ختام هذه بصفة الخبر, وتلك بصفتي السمع والبصر.

السابقالتالي
2