الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَٰجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }

ولما كان الإرث بالمصاهرة أضعف من الإرث بالقرابة ذكره بعده، وقدمه على الإرث بقرابة الأخوة تعريفاً بالاهتمام به ولأنه بلا واسطة، وقدم منه الرجل لأنه أفضل فقال: { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وبين شرط هذا بقوله: { إن لم يكن لهن ولد } أي منكم أو من غيركم، ثم بين الحكم على التقدير الآخر فقال: { فإن كان لهن ولد } أي وارث وإن سفل سواء كان ابناً أو بنتاً { فلكم الربع مما تركن } أي تركت كل واحدة منهن، ويغسلها الزوج لأن الله أضافها إليه باسم الزوجية، والأصل الحقيقة، ولا يضر حرمة جماعها بعد الموت وحلُّ نكاح أختها وأربع سواها، لأن ذلك لفقد المقتضي أو المانع وهو الحياة، وذلك لا يمنع علقة النكاح المبيح للغسل - كما لم يمنعها لأجل العدة لو كان الفراق بالطلاق، ثم كرر حكم الوصية اهتماماً بشأنها فقال: { من بعد وصية يوصين بها } أي الأزواج أو بعضهن، ولعله جمع إشارة إلى أن الوصية أمر عظيم ينبغي أن يكون مستحضراً في الذهن غير مغفول عنه عند أحد من الناس { أو دين }.

ولما بين إرث الرجل أتبعه إرثها فقال معلماً أنه على النصف مما للزوج - كما مضى في الأولاد -: { ولهن } أي عدداً كن أو لا { الربع مما تركتم } أي يشتركن فيه على السواء إن كن عدداً، وتنفرد به الواحدة إن لم يكن غيرها، ثم بين شرطه بقوله: { إن لم يكن لكم ولد } ثم بين حكم القسم الآخر بقوله: { فإن كان لكم ولد } أي وارث { فلهن الثمن مما تركتم } كما تقدم في الربع، ثم كرر الخروج عن حق الموروث فقال: { من بعد وصية توصون بها أو دين }.

ولما فرغ من قسمي ما اتصل بالميت بلا واسطة أتبعه الثالث وهو ما اتصل بواسطة، ولما كان قسمين، لأنه تارة يتصل من جهة الأم فقط وهم الأخياف، أمهم واحدة وآباؤهم شتى، وتارة من جهة الأب فقط وهم العلات، أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، وتارة من جهة الأبوين وهم الأعيان، وكانت قرابة الأخوة أضعف من قرابة البنوة؛ أكدها بما يقتضيه حالها، فجعلها في قصتين، ذكر إحداهما هنا إدخالاً لها في حكم الوصية المفروضة، وختم بالأخرى السورة لأن الختام من مظنات الاهتمام.

ولما كانت قرابة الأم أضعف من قرابة الأب قدمها هنا دلالة على الاهتمام بشأنها، وأن ما كانوا يفعلونه من حرمان الإناث خطأ وجور عن منهاج العدل، فقال تعالى: { وإن كان } أي وجد { رجل يورث } ي من ورث حال كونه { كلالة } أي ذا حالة لا ولد له فيها ولا والد، أو يكون يورث من: أورث - بمعنى أن إرث الوارث بواسطة من مات كذلك: لا هو ولد للميت ولا والد، ووارثه أيضاً كلالة لأنه ليس بوالد ولا ولد، فالمورث كلالة وارثه، والوارث كلالة مورثة؛ قال الأصبهاني: رجل كلالة، وامرأة كلالة، وقوم كلالة، لا يثنى ولا يجمع، لأنه مصدر كالدلالة والوكالة، وهو بمعنى الكلال، وهو ذهاب القوة من الإعياء، وقد تطلق الكلالة على القرابة من غير جهة الولد والوالد، ومنه قولهم: ما ورث المجد عن كلالة { أو } وجدت { امرأة } أي تورث كذلك، ويجوز أن يكون (يورث) صفة، و (كلالة) خبر كان { وله } خبر كان { وله } أي للمذكور وهو الموروث على أي الحالتين كان.

السابقالتالي
2