الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } * { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

ولما علمهم بما يفعلون في الصلاة حال الخوف، أتبع ذلك ما يفعلون بعدها لئلا يظن أنها تغني عن مجرد الذكر، فقال مشيراً إلى تعقيبه به: { فإذا قضيتم الصلاة } أي فرغتم من فعلها وأديتموها على حالة الخوف أو غيرها { فاذكروا الله } أي بغير الصلاة لأنه لإحاطته بكل شيء يستحق أن يراقب فلا ينسى { قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم } أي في كل حالة، فإن ذكره حصنكم في كل حالة من كل عدو ظاهر أو باطن.

ولما كان الذكر أعظم حفيظ للعبد، وحارس من شياطين الإنس والجن، ومسكن للقلوبألا بذكر الله تطمئن القلوب } [الرعد: 28]؛ أشار إلى ذلك بالأمر بالصلاة حال الطمأنينة، تنبيهاً على عظم قدرها، وبياناً لأنها أوثق عرى الدين وأقوى دعائمه وأفضل مجليات القلوب ومهذبات النفوس، لأنها مشتملة على مجامع الذكرإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } [العنكبوت: 48] فقال: { فإذا اطمأننتم } أي عما كنتم فيه من الخوف { فأقيموا الصلاة } أي فافعلوها قائمة المعالم كلها على الحالة التي كنتم تفعلونها قبل الخوف؛ ثم علل الأمر بها في الأمن والخوف والسعة والضيق سفراً أو حضراً بقوله: { إن الصلاة } مظهراً لما كان الأصل فيه الإضمار تنيبهاً على عظيم قدرها بما للعبد فيها من الوصلة بمعبوده { كانت على المؤمنين كتاباً } أي هي - مع كونها فرضاً - جامعة على الله جمعاً لا يقارنها فيه غيره { موقوتاً * } أي وهي - مع كونها محدودة - مضبوطة بأوقات مشهورة، فلا يجوز إخراجها عنها في أمن ولا خوف فوت - بما أشارت إليه مادة وقت للأبدان بما تسبب من الأرزاق. وللقلوب بما تجلب من المعارف والأنوار.

ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر خوف الضرر، مرشدة إلى إتقان المكائد للتخلص من الخطر، وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس والمبالغة فيه، وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد؛ أتبع ذلك قوله تعالى منبهاً على الجد في أمره، وأنه لم يدع في الصلاة ولا غيرها ما يشغل عنه، عاطفاً على نحو: فافعلوا ما أمرتكم به، أو على { فأقيموا الصلاة }: { ولا تهنوا } أي تضعفوا وتتوانوا بالاشتغال بذكر ولا صلا، فقد يسرت ذلك لكم تيسيراً لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد { في ابتغاء القوم } أي طلبهم بالاجتهاد وإن كانوا في غاية القوم والقيام بالأمور؛ ثم علل ذلك بقوله: { إن تكونوا تألمون } أي يحصل لكم ألم ومشقة بالجهاد من القتل وما دونه { فإنهم يألمون كما تألمون } أي لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم، فلا يكونن على باطلهم اصبر منكم على حقكم.

ولما بين ما يكون مانعاً لهم من الوهن دونهم، لأنه مشترك بينهم؛ بيّن ما يحملهم على الإقدام لاختصاصه به فقال: { وترجون } أي أنتم { من الله } أي الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى { ما لا يرجون } أي من النصر والعزم والكرم واللطف، لأنكم تقاتلون فيه وهم يقاتلون في الشيطان، وهذا لكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء كان ذلك في جهاد الكفار أو لا.

السابقالتالي
2