الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

ولما كان كفار قريش مقصودين بهذا قصداً عظيماً وإن كان شاملاً بإطلاقه غيرهم من الأولين والآخرين قال موضحاً لذلك: { قد قالها } أي مقالتهم { إنما أوتيته على علم } { الذين من قبلهم } أي ممن هو أشد منهم قوة وأكثر جمعاً كما قال قارون ومن رضي حاله فتمنى ماله { فما أغنى عنهم } أي أولئك الماضين { ما كانوا } بما اقتضته جبلاتهم { يكسبون * } أي يجددون على الاستمرار كسبه من المال والجاه وإن كان مليء السهل والجبل: { فأصابهم } أي إصابة شديدة بما دل عليه تذكير الفعل - أي تسبب عن عدم الإغناء أنه أصابهم { سيئات ما كسبوا } أي وبال ذلك وما يسوء من آثاره { والذين ظلموا } أي أوقعوا الأشياء في غير محالها { من هؤلاء } أي قومك الذين لا يتدبرون القرآن فإنهم لو تدبروا آياته عرفوا ولكن سبق عليهم العمى { سيصيبهم } أي إصابة شديدة جداً بوعد لا خلف فيه كما أصاب من قبلهم { سيئات ما كسبوا } أي عملوا من الأشر والبطر فيه أعمال من يظن أنه لا تناله مصيبة في الدنيا وأنه لا يبعث إلى ما أعددنا له من الأهوال في الآخرة، ولقد أصابهم ذلك، فأول ما أصابهم ما كشف عنه الزمان من وقعة بدر ثم ما تبعه إلى ما لا آخر له.

ولما ثبت أن الضار النافع إنما هو الله، من شاء أعطاه، ومن شاء منعه، ومن شاء استلبه ووضعه بعد ما رفعه، وكان التقدير: ألم يعلموا أن ما جمعه من قبلهم لم يدفع عنهم أمر الله، عطف قوله: { أولم } ولما كان السياق لنفي العلم عن الأكثر، وكان مقصود السورة بيان أنه صادق الوعد ومطلق العلم كافٍ فيه، عبر بالعلم بخلاف ما مضى في الروم فقال: { يعلموا } أي بما رأوا في أعمارهم من التجارب. ولفت الكلام إلى الاسم الأعظم تعظيماً للمقام ودفعاً للبس والتعنت بغاية الإفهام: { أن الله } أي الذي له الجلال والجمال { يبسط } أي هو وحده { الرزق } غاية البسط { لمن يشاء } وإن كان لا حيلة له ولا قوة { يقدر } أي يضيق مع النكد بأمر قاهر على من هو أوسع الناس باعاً في الحيل وأمكنهم في الدول، ومن المعلوم أنه لولا أن ذلك كله منه وحده لما كان أحد ممن له قوة في الجسم وتمكن في العلم فقيراً أصلاً.

ولما كان هذا أمراً لا ينكره أحد، عده مسلماً وقال: { إن في ذلك } أي الأمر العظيم، وأكده لأن أفعالهم أفعال من ينكر أن يكون فيه عبرة { لآيات لقوم } ذوي قوة وهمم عليه { يؤمنون * } أي هيئوا لأن يوجد منهم الإيمان فيجددوا التصديق في كل وقت تجديداً مستمراً بأن الأمور كلها من الله فيخافوه ويرجوه ويشكروه ولا يكفروه، وأما غيرهم فقد حقت عليه الكلمة بما هيىء له من عمل النار، فلا يمكنه الإيمان فليس له في ذلك آيات لأنها لا تنفعه.

السابقالتالي
2