الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } * { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } * { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } * { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ }

ولما ذكر إقامتهم ويسر دخولهم، وصف حالهم إذ ذاك فقال: { متكئين فيها } أي ليس لهم شغل سوى النعيم ولا عليهم كلفة أصلاً. ولما كان المتكىء لا يتم نعيمه إلا إن كان مخدوماً، دل على سؤددهم بقوله: { يدعون فيها } اي كلما أرادوا من غير مانع أصلاً ولا حاجة إلى قيام ولا قعود يترك به الاتكاء. ولما كان أكلهم إنما هو للتفكه لا لحفظ الجسد من آفة قال: { بفاكهة كثيرة } فسمى جميع مآكلهم فاكهة، ولما كانت الفاكهة لا يمل منها، والشراب لا يؤخذ إلا بقدر الكفاية، وصفها دونه فقال: { وشراب * }.

ولما كان الأكل والشرب داعيين إلى النساء لا سيما مع الراحة قال: { وعندهم } أي لهم من غير مفارقة أصلاً. ولما كان سياق الامتنان مفهماً كثرة الممتن به لا سيما إذا كان من العظيم، أتى بجمع القلة مريداً به الكثرة لأنه أشهر وأوضح وأرشق من " قواصر " المشترك بين جمع قاصر وقوصرة - بالتشديد والتخفيف - لوعاء التمر فقال: { قاصرات } ولما كن على خلق واحد في العفة وكمال الجمال وحد فقال: { الطرف } أي طرفهن لعفتهن وطرف أزواجهن لحسنهن، ولما لم تنقص صيغة جمع القلة المعنى، لكونه في سياق المدح والامتنان، وكان يستعار للكثرة، أتى على نمط الفواصل بقوله: { أتراب * } أي على سن واحد مع أزواجهن وهو الشباب، سمي القرين ترباً لمس التراب جلده وجلد قرينه في وقت واحد، قال البغوي: بنات ثلاث وثلاثين سنة، لأن ذلك ادعى للتآلف فإن التحاب بين الأقران أشد وأثبت.

ولما ذكر هذا النعيم لأهل الطاعة، وقدم ذلك العذاب لأهل المعصية قال: { هذا } أي الذي ذكر هنا والذي مضى { ما } وبني للمفعول اختصاراً وتحقيقاً للتحتم قوله: { توعدون } من الوعد والإيعاد، وقراءة الغيب على الأسلوب الماضي، ومن خاطب لفت الكلام للتلذيذ بالخطاب تنشيطاً لهممهم وإيقاظاً لقلوبهم { ليوم الحساب * } أي ليكون في ذلك اليوم.

ولما كان هذا يصدق بأن يوجد ثم ينقطع كما هو المعهود من حال الدنيا، أخبر أنه على غير هذا المنوال فقال: { إن هذا } أي المشار إليه إشارة الحاضر الذي لا يغيب { لرزقنا } أي للرزق الذي يستحق الإضافة إلينا في مظهر العظمة، فلذلك كانت النتيجة: { ما له من نفاد * } أي فناء وانقطاع، بل هو كالماء المتواصل في نبعه، كلما أخذ منه شيء أخلف في الحال بحيث إنه لا يميز المأخوذ من الموجود بوجه من الوجوه، فيكون في ذلك تلذيذ وتنعيم لأهل الجنة بكثرة ما عنده، وبمشاهدة ما كانوا يعتقدونه ويثبتونه لله تعالى من القدرة على الإعادة في كل وقت، جزاء وفاقاً عكس ما يأتي لأهل النار.

السابقالتالي
2 3