الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ }

ولما كانت ثمود أضخم الناس بعدهم بما لهم من إتقان الأبنية في الجبال والسهول والتوسع بعمارة الحدائق وإنباط العيون وغير ذلك من الأمور، مع مناسبتهم لهم في رؤية الآيات المحسوسة الظاهرة العظيمة أتبعهم بهم فقال: { وثمود } واستمروا فيما هم فيه إلى أن رأوا علامات العذاب من صفرة الوجوه ثم حمرتها ثم سوادها، ولم يكن لهم في ذلك زاجر يردهم عن عزتهم وشقاقهم.

ولما كان الحامل لثمود على المعصية الموجبة العذاب النساء لأن عاقر الناقة ما اجترأ على عقرها إلا لامرأة منهم جعلت له على عقرها زواجها، وكان الموجب لعذاب قوم لوط إتيان الذكور، فالجامع بينهم الشهوة الفرج مع الطباق بالذكور والإناث، مع أن عذاب ثمود برجف ديارهم، وعذاب قوم لوط بقلع مدائنهم وحملها ثم قلبها، أتبعهم بهم فقال معبراً بما يدل على قوتهم مضيفاً لهم إلى نبيهم عليه السلام لأنهم عدة مداين ليس لهم اسم جامع كقوم نوح عليه السلام: { وقوم لوط } أي الذين لهم قوة القيام بما يحاولونه واستمروا في عزتهم وشقاقهم حتى ضربوا بالعشا وطمس الأعين، ولم يقدروا على الوصول إلى ما أرادوا من الدخول إلى بيت لوط عليه السلام ولا التمكن مما أرادوا ولم يردهم ذلك عن عزتهم وشقاقهم، بل توعدوه بطلوع النهار.

ولما ذكر أهل المدر، أتبعهم طائفة من أهل الوبر يقاربونهم في الاستعصاء بالشجر، مع أن عذابهم بظلة النار كما كان لقوم لوط عليه السلام حجارة من نار فقال: { وأصحاب لئيْكَةِ } ثم عظم أمرهم تهويناً لأمر قريش وردعاً لهم بالحث على استحضار عذابهم فقال: { أولئك } أي العظماء في التجند والاجتماع على من يناوونه { الأحزاب * } أي الذين أقصى رتب هؤلاء في المخالفة أن يكونوا مثل حزب منهم.

ولما كان في معرض المعارضة لتألبهم وشقاقهم، وتجمعهم على المناواة باطلاً واتفاقهم، ولما كانوا لما عندهم من العناد وحمية الجاهلية ربما أنكروا أن يكون هلاك هؤلاء الأحزاب لأجل التكذيب، وقالوا: هو عادة الدهر في الإهلاك والتخالف في أسباب الهلاك، قال مؤكداً بأنواع التأكيد: { إن } أي ما { كل } من هذه الفرق كان لهلاكه سبب من الأسباب { إلا } أنه { كذب الرسل } أي كلهم بتكذيب رسوله، فإن من كذب رسولاً واحداً مع ثبوت رسالته فقد استهان بمن أرسله، وذلك ملزوم لتكذيب جميع من يرسله لتساوي أقدام المعجزات التي ثبتت رسالتهم بها في إيجاب التصديق { فحق } أي فتسبب عن ذلك التكذيب أنه حق { عقاب * } أي ثبت عليه فلم يقدر على التخلص منه بوجه من الوجوه والعدول إلى إفراد الضمير مع أسلوب التكلم لأن المقام للتوحيد كما مضى وهو أنص على المراد، وتقدم السر في حذف الياء رسماً في جميع المصاحف، وقراءة عند أكثر القراء وفي إثباتها في الحالين ليعقوب وحده.

السابقالتالي
2 3 4 5