الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } * { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } * { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ }

ولما أرشد إنكارهم خصوصيته بالذكر بنفي شكهم اللازم منه إثبات أنهم على علم بأنه مرسل، وأنه أحقهم بالرسالة إلى أن التقدير: أفيهم غيره من هو أهل لتلقي هذا الذكر حتى ينزله الله عليه ويترك هذا البشير النذير صلى الله عليه وسلم، عادل به قوله: { أم عندهم } أي خاصة دون غيرهم { خزائن رحمة } ولما كان إنزال الوحي إحساناً إلى المنزل عليه، عدل عن إفراد الضمير إلى صفة الإحسان المفيدة للتربية، فقال مخاطباً له صلى الله عليه وسلم لأنه أضخم لشأنه، وأفخم لمقداره ومكانه: { ربك } أي المحسن إليك بإنزاله ليخصوا به من شاؤوا ويمنعوا من شاؤواأهم يقسمون رحمة ربك } [الزخرف: 32] ولما كان لا يصلح للربوبية إلا الغالب لكل ما سواه، المفيض على من يشاء، ما يشاء، قال: { العزيز الوهاب * } أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، ويفيض على جهة التفضل ما يشاء على من يريد، وله صفة الإفاضة متكررة الآثار على الدوام، فلا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى.

ولما سلب عنهم التصرف في الخزائن، أتبعه نفي الملك عما شاهدوا منها وهو جزء يسير جداً فقال: { أم لهم } أي خاصة { ملك السماوات والأرض } ولما كان الحكم على ذلك لا يستلزم الحكم على الفضاء قال: { وما بينهما } أي لتكون كلمتهم في هذا الكون هي النافذة ويتكلموا في الأمور الإلهية ويسندوا ما شاؤوا من الأمور الجليلة إلى من شاؤوا، ثم بين عجزهم وبكتهم وقرعهم ووبخهم بما سبب عن ذلك من قوله: { فليرتقوا * } أي يتكلفوا الرقي إن كان لهم ذلك { في الأسباب * } أي الطرق الموصلة إلى السماء ليستووا على العرش الذي هو أمارة الملك فيدبروا العالم فيخصوا من شاؤوا بالرسالة ليعلم أن لهم ذلك وأنه لا يسوغ لأحد أن يختص دونهم بشيء.

ولما انتفى عنهم بما مضى وعن كل من يدعون ممالأته ومناصرته عن آلهتهم وغيرها خصائص الإلهية، أنتج ذلك أنهم من جملة عباده سبحانه، فعبر عن حالهم بأعلى ما يصلون إليه من التجمع والتعاضد الذي دل عليه ما تقدم الإخبار عنه من عزتهم وشقاقهم، ونفرتهم عن القبول وانطلاقهم، فقال مخبراً عن مبتدأ حذف لوضوح العلم به: { جند ما } أي ليسوا في شيء مما مضى وإنما هم جند حقيرون من بعض جنودنا متعاونون في نجدة بعضهم لبعض، قال أبو حيان: ويجوز أن تكون " ما " صفة أريد بها التعظيم على سبيل الهزء بهم أو التحقير لأن " ما " الصفة تستعمل لهذين المعنيين. وبين بعدهم من غير ما أقامهم فيه واستعملهم له من الرتب التي فرضها لهم وسفولهم عنها بقوله واصفاً لجند: { هنالك } أي في الحضيض عن هذه المرامي العالية، وبين أنه كثيراً ما تحزب أمثالهم على الرسل فما ضروا إلا أنفسهم بقوله واصفاً بعد وصف مفرداً تحقيراً: { مهزوم } أي له الانهزام صفة راسخة ثابتة { من الأحزاب * } أي الذين جرت عادتهم عزة وشقاقاً بالتحزب على الأنبياء ثم تكون عليهم الدائرة، وللرسل عليهم السلام العاقبة، فلا تكترث بهم أصلاً قال ابن برّجان: فكان أول جند مهزوم منهم جند غزوة بدر، ثم انبسط صدق الحديث على جنود كثيرة في وقائع مختلفة.

السابقالتالي
2 3