الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }

ولما أفهم السياق شدة عداوته صلى الله عليه وسلم، وكان الله تعالى قد أجرى عادته بأن جعل في النجوم أدلة على بعض المسائل الظنية لا سيما البحرانات في أنواع الأسقام، وكان أهل تلك البلاد وهم الكسدانيون كما تقدم في الأنعام وكما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وكما دلت عليه كتب الفتوحات - من أشد الناس نظراً في النجوم والاستدلال بها على أحوال هذا العالم في بعض ما كان وبعض ما يكون، وكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يتخلف عن الذهاب معهم إلى المحل الذي يجتمعون فيه للعيد ليكسر الأصنام ويريد إخفاء وقت الكسر عليهم ليتمكن من ذلك، قال تعالى حاكياً عنه مشيراً إلى ذلك بالتسبب عما مضى: { فنظر نظرة } أي واحدة { في النجوم * } حين طلبوا منه أن يخرج معهم إلى عيدهم لئلا ينكروا تخلفه عنهم موهماً لهم أنه استدل بتلك النظرة على مرض باطني يحصل له، لأنهم ربما أنكروا كونه مريضاً إذا أخبرهم بغير النظر في النجوم لأن الصحة ظاهرة عليه { فقال } أي عقب هذه النظرة موهماً أنها سببه.

ولما كان بدنه صحيحاً فكان بصدد أن يتوقف في خبره، أكد فقال: { إني سقيم * } فأوهم أن مراده أنه مريض الجسد وأراد أنه مريض القلب يسبب آلهتهم، مقسم الفكر في أمرهم لأنه يريد أمراً عظيماً وهو كسرها، ومادة " سقم " بتقاليبها الخمسة: سقم سمق قسم قمس مقس، تدور على القسم، فالسقام كسحاب وجبل وقفل: المرض، أي لأنه يقسم القوة والفكر، وقال ابن القطاع: سقم: طاولة المرض. وقسمه جزأه، والدهر القوم: فرقهم، والقسم - بالكسر: النصيب والقسم أي بالفتح: العطاء، ولا يجمع، والرأي والشك والعيب والماء والقدر والخلق والعادة، ويكسر فيهما، والتفريق ظاهر في ذلك كله، أما العطاء فيفرق المال ويقسمه، والرأي يقسم الفكر, والشك كذلك, والعيب يقسم العرض, والماء في غاية ما يكون من سهولة القسم، والقدر يفصل صاحبه من غيره، وكذا الخلق والعادة، والمقسم كمعظم: المهموم - لتوزع فكره، والجميل - لأنه يقسم القول في وصفه، والقسم محركة: اليمين بالله، وقد أقسم، أي أزال تقسيم الفكر، والقسامة: الحسن - لأنه يوزع فكر الناظر, وجونة العطار - كذلك لطيب ريحها, والقسام - كسحاب: شدة الحر - لأنها تزعج الفكر فتقسمه، أو هو أول وقت الهاجرة أو وقت ذرور الشمس، وهي حينئذ أحسن ما تكون مرآة - فينقسم الفكر فيها لحسنها إذ ذاك وما يطرأ عليها بعده. والقمس: الغوص - لأن الغائص قسم الماء بغوصه، والقمس أيضاً اضطراب الولد في البطن لأنه يقسم الفكر، ويكاد أن يقسم البطن باضطرابه، والقاموس: معظم البحر - لأن البحر قسم الأرض، ومعظمه أحق بهذا الاسم، والقوامس: الدواهي - لتقسيمها الفكر، وانقمس النجم: غرب، أي أخذ قسمه من الغروب كما أخذه من الشروق، أو أزال التقسيم بالسير، ومقسه في الماء: غطه - فانقسم الماء بغمسه فيه، والقربة: ملأها، فصير فيها من الماء ما يسهل قسمه، وأخذه الماء الذي وضعه فيها تقسيم للماء المأخوذ منه، ومقس الشيء: كسره، والماء: جرى - فانقسم وقسم الأرض، وهو يمقس الشعر كيف شاء، أي بقوله فيقسمه من باقي الكلام، والتقميس في الماء: الإكثار من صبه، فإن ذلك تقسيم له، وسمق سموقاً: علا وطال فصار بطوله يقبل من القسمة ما لا يقبله ما هو دونه.

السابقالتالي
2 3