الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

ولما كابر بعضهم ودافع، لم يكن بأسرع من أن ولوا وطلبوا السلامة بالدخول فيما جعله صلى الله عليه وسلم علماً على التأمين، وقال حماس بن قيس أخو بني بكر لما دخل بيته لامرأته: أغلقي عليّ الباب، فعيرته بالهزيمة بعن أن كانت تنهاه عن منابذة المسلمين فلا ينتهي ويقول لها: لا بد، أن أخدمك بعضهم:

إنك لو شهدت يوم الحندمـه   إذ فر صفوان وفـر عكرمه
واستقبلتنا بالسيوف المسلمـة   يقطعن كل ساعـد وجمجمه
ضرباً فلا يسمـع إلا غمغمـه   لهـم نهيـت خلقنـا وهمهمـه
   لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
ولما كان هذا منطبقاً على يوم الفتح، وكان ذلك اليوم قد أحل الكفار محلاًّ صاروا به بحيث لا اعتبار لهم قال: { وأبصر } مسقطاً ضميرهم، أي أبصر ما تريد من شؤونك التي يهمك النظر فيها، وأما هم فصاروا بحيث لا يبالي بهم ولا يفكر في أمرهم ولا يلتفت إليهم، فإنا أبدلنا من عزتهم ذلاًّ، ومن كثرتهم قلاًّ، وجردنا تلك الأراضي من قاذورات الشرك، وأحللنا بها طهارة التنزيه وأقداس التحميد، وكذا كان، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لهم وهو على درج الكعبة وهم تحته كالغنم المجموعة في اليوم المطير بعد أن قال " " لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ": ما تظنون أني فاعل بكم يا معاشر قريش؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقال له صفوان بن أمية: اجعلني بالخيار شهرين، قال: أنت بالخيار أربعة أشهر " ، ولم يكلف أحداً منهم الإسلام حتى أسلموا بعد ذلك طوعاً من عند آخرهم. ولما حاصر الطائف فعسرت عليه انصرف عنها، فما لبثوا أن أرسلوا إليه رسلهم وأسلموا فحسن إسلامهم ولم يرتد أحد منهم في الردة، وهذا من معنى { فسوف يبصرون * }.

ولما تقرر له سبحانه من العظمة ما ذكر، فكان الأمر أمره والخلق خلقه، ثبت تنزهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال، فلذلك كانت نتيجة ذلك الختم بمجامع التنزيه والتحميد فقال: { سبحان ربك } أي المحسن إليك بإرسالك وإقامة الدليل الظاهر المحرر على صدقك بكل ما يكون من أحوال أعدائك من كلام أو سكوت، وتأييدك بكل قوة وإلباسك كل هيبة { رب العزة } أي التي هو مختص بها بما أفهمته الإضافة وأفاد شاهد الوجود وحاكم العقل، وقد علم بما ذكر في هذه السورة أنها تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء، وفي إضافة الرب إليه وإلى العزة إشارة إلى اختصاصه صلى الله عليه وسلم وكل من وافقه في أمره عن جميع الخلق بالعزة وإن رئي في ظاهر الأمر غير ذلك { عما يصفون * } مما يقتضي النقائص لما ثبت من ضلالهم وبعدهم عن الحق.

السابقالتالي
2