الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } * { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ }

ولما آذنت اللام بعلوهم، أوضح ذلك ببيان ما سماه كلمة لانتظامه في معنى واحد بقوله: { إنهم } وزاد في تأكيده في نظير ما عند الكفرة على ما تدل أعمالهم أنه في غاية البعد فقال: { لهم } أي خاصة { المنصورون * } أي الثابت نصرهم في الجدال والجلاد وإن وقع للكفار عليهم في الثاني ظهور ما. ولما خص بذلك المرسلين، عم فقال: { وإن جندنا } أي من المرسلين وأتباعهم، ولما كان مدلول الجند في اللغة العسكر والأعوان والمدينة وصنفاً من الخلق على حدة، قال جامعاً على المعنى دون اللفظ نصاً على المراد: { لهم } أي لا غيرهم { الغالبون * } أي وإن رئي أنهم مغلوبون لأن العاقبة لهم إن لم يكن في هذه الدار فهو في دار القرار، وقد جمع لهذا النبي الكريم فيهما، وسمى هذا كله كلمة لانتظامه معنى واحداً، ولا يضر انهزام في بعض المواطن من بعضهم ولا وهن قد يقع، وكفى دليلاً على هذا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الثلاثة بعده رضي الله عنهم.

ولما ثبت لا محالة بهذا أنه صلى الله عليه وسلم هو المنصور لأنه من المرسلين ومن جند الله، بل هو أعلاهم، سبب عن ذلك قوله: { فتولّ } أي فكلف نفسك الإعراض { عنهم } أي عن ردهم عن الضلال قسراً { حتى حين * } أي مبهم، وهو الوقت الذي عيناه لنصرك في الأزل { وأبصرهم } أي ببصرك وبصيرتك عند الحين الذي ضربناه لك وقبله: كيف تؤديهم أحوالهم وتقلباتهم كلما تقلبوا إلى سفول.

ولما كانوا قبل الإسلام عمياً صمًّا لأنهم لا يصدقون وعداً ولا وعيداً، ولا يفكرون في عاقبة، حذف المفعول من فعلهم فقال متوعداً محققاً بالتوسيف لا مبعداً: { فسوف يبصرون * } أي يحصل لهم الإبصار الذي لا غلط فيه بالعين والقلب بعد ما هم فيه من العمى، وهذا الحين واضح في يوم بدر وما كان من أمثاله قبل الفتح، فإنهم كان لهم في تلك الأوقات نوع من القوة، فلذلك أثبتهم نوع إثبات في أبصرهم.

ولما كانت عادتهم الاستعجال بما يهددون به استهزاء، كلما ورد عليهم تهديد، سبب عن ذلك الإنكار عليهم على وجه تهديد آخر لهم فقال: { أفبعذابنا } أي على ما علم له من العظمة بإضافته إلينا { يستعجلون } أي يطلبون أن يعجل لهم فيأتيهم قبل أوانه الذي ضربناه له. ولما علم من هذا أنه لا بشرى لهم يوم حلوله، ولا قرار عند نزوله، صرح بذلك في قوله: { فإذا } أي هددناهم وأنكرنا عليهم بسبب أنه إذا { نزل بساحتهم } أي غلب عليها لأن ذلك شأن النازل بالشيء من غير إذن صاحبه ولا يغلب عليها إلا وقد غلب على أهلها فبرك عليهم بروكاً لا يقدرون معه على البروز إلى تلك الساحة وهي الفناء الخالي عن الأبنية كأنه متحدث القوم وموضع راحتهم في أي وقت كان بروكه من ليل أو نهار، ولكن لما كانت عادتهم الإغارة صباحاً، قال على سبيل التمثيل مشيراً بالفاء إلى أنه السبب لا غيره { فساء صباح المنذرين * } أي الذين هم أهل للتخويف من هؤلاء وغيرهم, وهذا التهديد لا يصلح لأن ينطبق على يوم الفتح, ولقد صار من لم يتأهل لغير الإنذار فيه في غاية السوء، وهم الذين قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، ومنهم من تعلق بأستار الكعبة فلم يفده ذلك، ولكنهم كانوا قليلاً، والباقون إن كان ذلك الصباح على ما ساءهم منظره فلقد سرهم لعمر الله مخبره.

السابقالتالي
2