الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

ولما قدم المعاني التي توجب أكل الفاكهة، أتى بها فقال: { لهم } أي خاصة بهم { فيها فاكهة } أي لا تنقطع أبداً، فلا مانع لهم من تناولها، ولا يوقف ذلك على غير الإرادة. ولما كانت الفاكهة قد تطلق على ما يلذذ، صرح بأن ذلك هو المراد، فقال معبراً بالعطف لتكون الفاكهة مذكورة مرتين خصوصاً وعموماً: { ولهم } ولما كان السياق لأصحاب الجنة الذين تفهم الصيحة أنهم فيها دائماً وإن كانوا في الدنيا، أعري الكلام من الظرف ليفهم إجابة دعائهم في الدنيا وإنالتهم جميع مرادهم في الدارين فقال: { ما يدعون } أي الذي يطلبون طلباً أما إخراجاً لما قد يهجس في النفس من غير عزم عليه إن كان المراد في الجنة من غير كلام الله كالمآكل والمشارب ونحوها، وإما إظهاراً للاهتمام إن كان المراد أنه كلامه سبحانه، وذلك لأجل ما كانوا في الدنيا يفطمون أنفسهم عن الشهوات عزوفاً عما يفنى، وطموحاً إلى ما عندنا من الباقيات الصالحات، ثم فسر الذي يدعونه - أي يطلبونه - بغاية الاشتياق إليه أو استأنف الإخبار عنه بقوله: { سلام } أي عظيم جداً لا يكتنه وصفه، عليكم يا أهل الجنة، كائن هو أو مقول هو، والسلام يجمع جميع النعم، ثم بين حال هذا السلام بما أظهر من عظمه بقوله: { قولاً من رب } أي دائم الإحسان { رحيم * } أي عظيم الإكرام بما ترضاه الألهية، كما كانوا في الدنيا يفعلون كل ما فيه الرضا، فيرحمهم في حال السلام وسماع الكلام بلذة الرؤية مع التقوية عن الدهش والصعق لعظيم الأمر وبالتأهيل لهذا المقام الأكرم مع قصورهم عنه، وقد أوضح هذا السياق أنه من الله تعالى بلا واسطة، فإنه أكده بالقول وحرف الابتداء، وذكر صفات الإحسان كما قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ولا ارتياب في أنه لا شيء يعدل هذا في النعيم وقرة العين والشرف وعلو القدر، ولا شك أن هذا هو المقصود بالحقيقة، فهو قلب النعيم في ذلك اليوم الذي هو قلب الوجود حقاً خفاء وصلاحاً وفساداً، فصح أن هذه الآية قلب هذه السورة كما كانت هذه السورة قلب القرآن، وقد ورد حديث في تفسير البغوي وكتاب المائتين للأستاذ أبي عثمان الصابوني أنه من الله تعالى بلا واسطة عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم با أهل الجنة، وذلك قوله تعالى { سلام قولاً من رب رحيم } فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته في ديارهم "

السابقالتالي
2 3 4