الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } * { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } * { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

ولما كان الله سبحانه قد قدم قوله: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } - الآية، فعلم قطعاً أنه تسبب عنها ما تقديره: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة لأن يكون له ولي غير النبي صلى الله عليه وسلم، فطوى ذلك للعلم به، واستدل على مضمون الآية وما قبلها بقصة الأحزاب، وأتبعها نتيجة ذلك مما ذكر تأديب الأزواج له صلى الله عليه وسلم وتهذبيهن لأجله وتطهير أهل بيته وتكريمهم حتى ختم سبحانه بالصفات العشر التي بدأها بالإسلام الذي ليس معه شيء من الإباء، وختمها بأن ذكر الله يكون ملء القلب والفم وهو داعٍ إلى مثل ذلك لأنه سبب الإسلام، عطف على مسبب آية الولاية ما يقتضيه كثرة الذكر من قوله: { وما كان }.

ولما كان الإيمان قد يدعى كذباً لخفاء به، قال: { لمؤمن } أي من عبد الله بن جحش وزيد وغيرهما { ولا مؤمنة } أي من زينب وغيرها، فعلق الأمر بالإيمان إعلاماً بأن من اعترض غير مؤمن وإن أظهر الإيمان بلسانه { إذا قضى الله } أي الملك الأعظم الذي لا ينبغي لعاقل التوقف في أمره { ورسوله } الذي لا يعرف قضاؤه إلا به { أمراً } أي أيّ أمر كان.

ولما كان المراد كل مؤمن، والعبارة صالحة له، وكان النفي عن المجموع كله نفياً عما قل عنه من باب الأولى، قال: { أن تكون } أي كوناً راسخاً على قراءة الجماعة بالفوقانية، وفي غاية الرسوخ على قراءة الكوفيين بالتحتانية { لهم } أي خاصة { الخيرة } مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس { من أمرهم } أي الخاص بهم باستخارة لله ولا بغيرها ليفعلوا خلاف ذلك القضاء، فإن المراد بالاستخارة ظن ما اختاره الله، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعي الدلالة على ما اختاره الله تعالى، وفي هذا عتاب لزينب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه، ولكنها لما قدمت بعد نزول الآية خيرته صلى الله عليه وسلم في تزويجها من زيد رضي الله عنهما على خيرتها، عوضها الله أن صيرها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعه في الجنة في أعلى الدرجات، فالخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى، فمن فعل غير ذلك فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عصاه عصى الله لأنه لا ينطق إلا عنه { ومن يعص الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { ورسوله } أي الذي معصيته معصيته لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم { فقد ضل } وأكده المصدر فقال: { ضلالاً } وزاده بقوله: { مبيناً } أي لا خفاء به، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلفاً بقول الشاعر حيث قال:

السابقالتالي
2 3 4