الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

ولما تشوف المسلم إلى إهلاك من هذا شأنه وإلى العلم بمدة ذلك، وكان من طبع الإنسان العجلة، أجاب من يستعجل بقوله عائداً إلى مظهر العظمة التي يتقاضاها إذلال العدو وإعزاز الولي: { نمتعهم قليلاً } أي من الزمان ومن الحظوظ وإن جل ذلك عند من لا علم له، فلا تشغلوا أنفسكم بالاستعجال عليهم فإن كل آت قريب.

ولما كان إلجاء المتجبرين إلى العذاب امراً مستبعداً، أشار بأداة البعد إلى ما يحصل عنده من صفات الجلال، التي تذل الرجال، وتدك الجبال، وفيه أيضاً إشارة إلى استطالة المحسنين من تمتيعهم وإن كان قليلاً في الواقع، أو عند الله فقال: { ثم نضطرهم } أي نأخذهم اخذاً لا يقدرون على الانفكاك عنه بنوع حيلة، وأشار إلى طول إذلالهم في مدة السوق بحرف الغاية، فكان المعنى: فنصيرّهم بذلك الأخذ { إلى عذاب غليظ * } أي شديد ثقيل، لا ينقطع عنهم أصلاً ولا يجدون لهم منه مخلصاً من جهة من جهاته، فكأنه في شدته وثقله جرم غليظ جداً إذا برك على شيء لا يقدر على الخلاص منه.

ولما كان من أعجب العجب مجادلتهم مع إقرارهم بما يلزمهم به قطعاً التسليم في أنه الواحد لا شريك له وأن له جميع صفات الكمال فله الحمد كله، قال: { ولئن } أي يجادلون أو يقولون: بل نتبع آباءنا والحال أنهم أن { سألتهم من خلق السماوات } بأسرها { والأرض } وجميع ما فيها { ليقولن } ولما كان الأنسب للحكمة التي هي مطلع السورة الاقتصار على محل الحاجة، لم يزد هنا على المسند إليه بخلاف الزخرف التي مبناها الإبانة، فقال لافتاً القول عن العظمة إلى أعظم منها فقال: { الله } أي " المسمى بهذا الاسم الذي جمع مسماه بين الجلال والإكرام " فقد أقروا بأن كل ما أشركوا به بعض خلقه ومصنوع من مصنوعاته.

ولما كانوا يعتقدون أن شركائهم تفعل لهم بعض الأفعال، فلذلك كانوا يرجونهم ويخافونهم، كما أن ذلك واضح في قصة عم أنس الصم وغيرها، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يعلمهم أنه لا خلق لغيره ولا أمر، بل هو مبدع كل شيء في السماوات والأرض كما أبدعهما، وأن من جملة ذلك مما يستحق به الحمد سبحانه قهرهم على تصديقه صلى الله عليه السلام بمثل هذا الإقرار وهم في غاية التكذيب، فقال مستأنفاً: { قل الحمد } أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال { لله } أي الذي له الإحاطة الشاملة الكاملة من غير تقييد بخلق الخافقين ولا غيره " الأمر أعظم من مقالة قائل " كما أحاط بما تعلمونه من خلق السماوات والأرض، فهو فاعل الإفعال كلها، كما أنه خالق الذوات كلها، ولا شريك له في شيء من الأمر، كما أنه لا شريك له في شيء من الخلق.

السابقالتالي
2 3