الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

ولما كان الإنسان لا يعرف حكمة الحكيم إلا بأقواله وأفعاله، ولا صدق الكلام وحكمته إلا بمطابقته للواقع، فكان التقدير: اذكر ما وصفنا به لقمان لتنزل عليه ما تسمع من أحواله وأفعاله في توفية حق الله وحق الخلق الذي هو مدار الحكمة، عطف عليه قوله: { وإذ } أي واذكر بقلبك لتتعظ وبلسانك لتعظ غيرك - بما أنك رسول - ما كان حين { قال لقمان لابنه } ما يدل على شكره في نفسه وامره به لغيره فإنه لا شكر يعدل البراءة من الشرك، وفيه حث على التخلق بما مدح به لقمان بما يحمل على الصبر والشكر والمداومة على كل خير، وعلى تأديب الولد، بسوق الكلام على وجه يدل على تكرير وعظه فقال: { وهو يعظه } أي يوصيه بما ينفعه ويرقق قلبه ويهذب نفسه، ويوجب له الخشية والعدل.

ولما كان أصل توفية حق الحق تصحيح الاعتقاد وإصلاح العمل، وكان الأول أهم، قدمه فقال: { يا بني } فخاطبه بأحب ما يخاطب به، مع إظهار الترحم والتحنن والشفقة، ليكون ذلك أدعى لقبول النصح { لا تشرك } أي لا توقع الشرك لا جليا ولا خفياً، ولما كان في تصغيره الإشفاق عليه، زاد ذلك بإبراز الاسم الأعظم الموجب لاستحضار جميع الجلال، تحقيقاً لمزيد الإشفاق. فقال: { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له، ثم علل هذا النهي بقوله: { إن الشرك } اي بنوعيه { لظلم عظيم* } أي فهو ضد الحكمة، لأنه وضع الشيء في غير محله، فظلمه ظاهر من جهات عديدة جداً، أظهرها أنه تسوية المملوك الذي ليس له من ذاته إلا العدم نعمة منه أصلاً بالمالك الذي له وجوب الوجود، فلا خير ولا نعمة إلا منه، وفي هذا تنبيه لقريش وكل سامع على أن هذه وصية لا يعدل عنها، لأنها من أب حكيم لابن محنو عليه محبوب، وأن آباءهم لو كانوا حكماء ما فعلوا إلا ذلك، لأنه يترتب عليها ما عليه مدار النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، العاجلة والآجلة، وهو الأمن والهدايةالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } [الأنعام: 82] فإنه لما نزلت تلك الآية كما هو صحيح البخاري في غير موضع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس بذاك، ألم تسمع إلى قول لقمان { إن الشر لظلم عظيم } ".

ولما ذكر سبحانه وتعالى ما أوصى به ولده من شكر المنعم الأول الذي لم يشركه في إيجاده أحد، وذكر ما عليه الشرك من الفظاعة والشناعة والبشاعة، أتبعه سبحانه وصيته للولد بالوالد لكونه المنعم الثاني المتفرد سبحانه بكونه جعله سبب وجود الولد اعترافاً بالحق وإن صغر لأهله وإيذاناً بأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وتفخيماً لحق الوالدين، لكونه قرن عقوقهما بالشرك، وإعلاماً بأن الوفاء شيء واحد متى نقص شيء منه تداعى سائره كما في الفردوس عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5