الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

فلما ثبتت خصوصيته سبحانه وتعالى بصفة القدرة على الوجه الأعم ذكر بعض ما تحت ذلك مما لم يدخل شيء منه تحت قدرة غيره فقال: - وقال الحرالي: ولما كانت هذه الآية متضمنة تقلبات نفسانية في العالم القائم الآدمي اتصل بها ذكر تقلبات في العالم الدائر ليؤخذ لكل منها اعتبار من الآخر. ولما ظهر في هذه الآية افتراق النزع والإيتاء والإعزاز والإذلال أبدى في الآية التالية توالج بعضها في بعض ليؤذن بولوج العز في الذل والذل في العز، والإيتاء في النزع والنزع في الإيتاء، وتوالج المفترقات والمتقابلات بعضها في بعض، ولما كانت هذه السورة متضمنة لبيان الإحكام والتشابه في منزل الكتاب بحكم الفرقان أظهر تعالى في آياتها ما أحكم وبين في خلقه وأمره وما التبس وأولج في خلقه وأمره، فكان من محكم آية في الكائن القائم الآدمي ما تضمنه إيتاء الملك ونزعه والإعزاز والإذلال، وكان من الاشتباه إيلاج العز في الذل وإيلاج الذل في العز، فلما صرح بالإحكام ببيان الطرفين في الكائن القائم الآدمي، وضمن الخطاب اشتباهه في ذكر العز والذل صرح به في آية الكون الدائر، فذكر آية الآفاق وهو الليل والنهار بما يعاين فيها من التوالج حيث ظهر ذلك فيها وخفي في توالج أحوال الكائن القائم، لأن الإحكام والاشتباه متراد بين الآيتين: آية الكائن القائم الآدمي وآية الكون الدائر العرشي، فما وقع اشتباهه في أحدهما ظهر إحكامه في الآخر فقال سبحانه وتعالى: { تولج } من الولوج، وهو الدخول في الشيء الساتر لجملة الداخل { الَّيل في النهار } فيه تفصيل من مضاء قدرته، فهو سبحانه وتعالى يجعل كل واحد من المتقابلين بطانة للآخر والجاً فيه على وجه لا يصل إليه منال العقول لما في المعقول من افتراق المتقابلات، فكان في القدرة إيلاج المتقابلات بعضها في بعض وإيداع بعضها في بعض على وجه لا يتكيف بمعقول ولا ينال بفكر - انتهى. { وتولج النهار في الَّيل } أي تدخل كلاً منهما في الآخر بعد ظهوره حتى يذهب فيه فيخفى ولا يبقى له أثر. قال الحرالي: ولما جعل المتعاقبين من الليل والنهار متوالجين جعل المتباطنين من الحي والميت مخرجين، فما ظهر فيه الموت بطنت فيه الحياة، وما ظهرت فيه الحياة بطن فيه الموت؛ انتهى. فقال سبحانه وتعالى: { وتخرج الحي } أي من النبات والحيوان { من الميت } منهما { وتخرج الميت } منهما { من الحي } منهما كذلك.

قال الحرالي: فهذه سنة الله وتعالى وحكمته في الكائن القائم وفي الكون الدائر، فأما في الكون الدائر فبإخراج حي الشجر والنجم من موات البذر والعجم، وبظهوره في العيان كان أحكم في البيان مما يقع في الكائن القائم، كذلك الكائن القائم يخرج الحي المؤمن الموقن من الميت الكافر الجاهل

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد